قال محمد رحمه الله: في «الجامع الصغير» : رجل استأجر خبازاً ليخبز له هذه المحاسم دقيق هذا اليوم بدرهم فهو فاسد.
وفي إجارات «الأصل» عن أبي يوسف ومحمد أنه جائز هما يقولان تصحيح العقود واجب ما أمكن وقد أمكن بأن يجعل العقد واقعاً على العمل وهو الخبز فيكون أجير مشترك، وهذا لأنه أوقع العقد على العمل ابتداء وقوله اليوم وإن كان ذكر الوقت إلا أنه يحتمل أنه أراد به إيقاع العقد على المنفعة فيكون أخر وحل فيفسد العقد لجهالة المعقود عليه، وتحمل أنه قصد بذكر الوقت الاستعجال لا إيقاع العقد على المنفعة فيبقى أجير مشترك فيصح العقد (١٩ب٤) فيحمل ذكر اليوم على سبيل الاستعجال تصحيحاً للعقد بقدر الممكن.
وأبو حنيفه رحمة الله عليه يقول: المعقود عليه مجهول وجهالة المعقود عليه تمنع جواز العقد.
بيانه: إن ذكر الوقت يدل على أن المعقود عليه المنافع إذ الوقت يختص بتقدير المنافع، وذكر العمل في الابتداء يدل على أن المعقود عليه العمل والجمع بينهما غير ممكن؛ لأن العمل متى جاز معقوداً عليه لا يجب إلا بالعمل ومتى صار المعقود عليه المنفعة يجب الأجر بتسليم النفس وأغراض الناس مختلفة فيجهل المعقود عليه وإنه يوجب فساد العقد.
وقولهما: بأن ذكر الوقت للتعجيل فيه نظر؛ لأن أغراض الناس ورغباتهم مختلفة قد يكون الغرض إيقاع العقد على المنفعة فلا يترجح أحدهما مع المماثلة في النوعية من غير دليل.
وفي إجارات «الأصل» : إذا استأجر الرجل من آخر ثوراً يطحن عليه كل يوم عشرين قفيزاً فهذه الإجارة جائزة، ولم يذكر فيها خلافاً فمن مشايخنا، من قال: هذا الجواب يجب أن يكون قولهما، أما على قول أبي حنيفة ينبغي أن تفسد الإجارة على قياس مسألة الخبز؛ لأنه جمع بين الوقت والفعل في المسألتين جميعاً فكان المعقود عليه محهولاً.
ومنهم من قال: لا بل هذه الإجارة جائزة على قول الكل فهذا القائل يحتاج إلى الفرق لأبي حنيفة رحمه الله بين هذه المسألة وبين مسألة الخبز.
والفرق هو: أن ذكر مقدار العمل في باب الطحن في العرف والعادة لا يكون لتعليق العقد بالعمل حتى يصير العمل معقوداً عليه مع الوقت، فيوجب فساد الإجارة للجهالة، وإنما يكون لبيان قوة الدابة ومبلغ عمله، وإذا كان لهذا يذكر في العرف والعادة بقيت الإجارة على الوقت، فجاز عندهم جميعاً، فأما في الخباز مقدار العمل لا يذكر عرفاً وعادة لبيان قوة الخباز ومبلغ عمله، وإنما يذكر لتعليق العقد بالعمل وصيرورته معقوداً عليه، فيصير جامعاً بين الوقت والعمل، فيصير المعقود عليه مجهولاً فأوجب فساده حتى أن في مسألة الخباز لو كان يذكر مقدار العمل لبيان قوة الخباز ومبلغ عمله، تقول بجواز الإجارة على قول أبي حنيفة وفي مسألة الطحن لو كان يذكر مقدار العمل لتعليق العقد به