للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخبار؛ لأنها شهادة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا علم بدون التذكر، والكتاب لأجل التذكر لا لأجل الاعتماد عليه؛ لأنه لا يؤمن فيه الزيادة والنقصان، فبدون التذكر وجوده والعدم بمنزلة.

وأبو يوسف رحمه الله وسع فيما يجد القاضي في ديوانه مختوماً بخاتمه، وفي رواية الأخبار، وضيق في قبول القاضي الشهادة على قضائه، وفي الشاهد يجد شهادته مكتوبة بخطه على ما ذكره شمس الأئمة السرخسي، قال: الأخذ بالعزيمة فيما قاله أبو حنيفة رحمه الله إلا أن رواية الأحاديث ضرورة، لأن الإنسان سمع مثلاً عشرين ألف حديث، ولا يمكنه حفظ الكل، فلو لم يكن له أن يعتمد على خط سماعه لتعطل ذكر الحديث، وما يتوهم من التزويد في كتابة السماع نادر غاية الندرة، إذ لا يقع فيه ولا ضرر لأحد، وكذلك فيما يجده القاضي في ديوانه مختوماً، بختمه ضرورة؛ لأن القضاء يكثر ولا يحفظ الكل، فيقع الحاجة إلى الاعتماد على الخط، واحتمال الترديد منتف ظاهراً؛ لأنه في يده مختوم بخاتمه، فالظاهر أنه لم يغير شيئاً منه، بخلاف الصك على ما ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله؛ لأن الصك لا يكون في يد الشاهد، فلا يأمن فيه الزيادة والنقصان حتى روي عنه أنه قال: لو كان الصك في يد الشاهد جاز له، أن يشهد وإن لم يتذكر.

وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد قال: سألت محمداً رحمه الله، عن قاض يخرج من البلدة التي هو قاض فيها، ولم يخلف عيالاً هل له أن يضع قماطره عند من يثق به، من أهل البلدة وإذا رجع عمل بما فيه إذ القماطر بخاتمه والكتب الذي في جوف القماطر مختمة أو غير مختمة، والقاضي يذكر قضاياه أو لا؟ قال: لا بأس بهذا، وهذا أمر لا بأس به، ولا يمنع منه، ولو لم يجز ذلك لم يجز أن يحكم بما في بيته، لأنه لا يؤمن أن يغير شيئاً من ذلك بعض أهله.

قال في «كتاب الأقضية» : ولو أن قاضياً عزل عن القضاء ثم رد عليه، فإنه لا يعمل بشيء مما كان في ديوانه الأول إلا شيئاً يتذكره، اعلم بأن هذه المسألة على وجهين:

الأول: أن يتذكر ذلك، وفي هذا الوجه لا يقضي للخلاف، أما على قول أبي حنيفة رحمه الله؛ فلأن على قوله لا يقضي بما يجد في ديوانه الحالي، إذا كان لا يتذكر ذلك، فأولى أن لا يقضي بما يجد في ديوانه الأول، والفرق لهما: أن قضية القياس أن لا يقضي بما يجد في ديوانه الحالي إذا كان لا يحفظ ذلك كما قال أبو حنيفة رحمه الله؛ لأن القضاء بغير علم لا يجوز، لكن تركنا القياس في ديوانه الحالي ضرورة؛ لأن القاضي لكثرة اشتغاله لا يمكنه حفظ جميع الأشياء، فلو لم يجز العمل بما في الديوان

<<  <  ج: ص:  >  >>