والولاء يكون للمولى؛ لأن الشاهدين قاما مقام المولى في ملك البدل لا في ملك المكاتب، واعتبر الشاهد بالوارث، والمكاتب لا يعتق ما لم يؤد بدل الكتابة إلى الوارث، وعند الأداء الولاء يكون للمولى دون الوارث فكذا هذا.
وإن عجز المكاتب ورد في الرق كان لمولاه؛ لأن الرقبة بقيت على ملك المولى، فإذا انفسخت الكتابة بالعجز بقي على الملك المولى، ويرد المولى على الشاهدين ما أخذ منهما؛ لأن الموجب الضمان، وهو إزالة يد المولى قد انعدم فيزول الضمان.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : إذا شهد شاهدان على رجل في شوال أنه أعتق عبده في رمضان، وقيمة العبد يوم الشهادة ألفا درهم، وكانت قيمته في رمضان ألف درهم، فلم يعدلا حتى صارت قيمته ثلاثة آلاف درهم، ثم عدلا، وقضي بشهادتهما، ثم رجعا ضمنا قيمة العبد يوم أعتقه القاضي، وذلك ثلاثة آلاف درهم؛ لأن الشهادة إنما تصير موجبة بواسطة اتصال القضاء بها فتعتبر قيمته يوم القضاء، وهذه المسألة (تثبت) بذلك أن العتق يثبت بقضاء القاضي بشهادة الزور وإن لم يكن له ولاية إعتاق عبد الغير.
ووجه ذلك: أن القاضي إن كان لا يملك إعتاق عبد الغير بولاية القضاء، فالخصمان يملكان ذلك وكما ثبت بقضاء القاضي بشهادة الزور لا يملك القاضي إنشاءه بولاية القضاء، يثبت ما يملك الخصمان إثباته، وقد مرّ جنس هذا.
في كتاب «أدب القاضي» : وإذا ادعى رجل على رجل أنه عبده، والمدعى عليه يجحد دعواه، وقضى القاضي بكونه عبداً له ببينة قامت عليه، ثم أعتقه على مال، ثم رجع الشاهدان عن شهادتهما، فإنهما لا يضمنان للمشهود عليه شيئاً لا بدل العتق؛ ولا بدل ما أتلفاه عليه من الحرية، أما بدل العتق لأن بدل العتق وجب على المشهود عليه بعقده لا بشهادتهما.
فإن قيل: المال وإن وجب على المشهود عليه بعقده إلا أنه مضطر في قبول هذا العقد لإحياء حقه في نفسه، كما كان، فهو بمنزلة صاحب العلو إذا بنى السفل، وهذا الاضطرار جاء من قبل شهادتهما عليه بالرق، فكان وجوب المال مضافاً إليهما.
قلنا: المال ما أوجبه بقوله وحده حتى يقال: مضطر في القبول، فيكون الوجوب مضافاً إلى الشهود، إنما وجب بقبوله وإيجاب الولي والمولى غير مضطر في هذا الإيجاب من جهة الشاهد، فاعتبار جانب المولى وجوب المال لا يكون مضافاً إلى الشاهد، وباعتبار جانب العبد وجوب المال يكون مضافاً إلى الشاهد، فلا تثبت الإضافة إلى الشاهد بالشك.
وأما ضمان بدل ما أتلفا، وإن كان الحر يضمن بالإتلاف الحقيقي؛ لأن إيجاب ضمان الحر بالإتلاف الحقيقي عرف بخلاف القياس بالنص، والنص الوارد في الإتلاف الحقيقي، وفي إتلاف صفة الحرية، وإجزاء الحر لا يكون وارداً في الإتلاف الحكمي، وفيه إتلاف صفة الحرية دون إجزاء الحر، فرد هذا إلى أصل القياس، والقياس يأبى إيجاب المال بمقابلة ما ليس بمال.m