فيها شاة لأحمد، فإذا أداها يبقى نصاب الإبل ثابتاً في السنة الثانية، فأما لو صرفنا الدين إلى الإبل يبقى نصاب الغنم خالية عن الدين، فتجب شاة منها، فينتقص النصاب في السنة الثانية وكان صرف الدين إلى الغنم أنفع في حق الفقراء.
وصار الأصل من جنس هذه المسائل: إن ما كان أنفع للفقراء لا يصرف الدين إليه، وإن فضل شيء من الدين يصرف إلى مال القنية دون العقار، ولأن بيع مال القنية أيسر؛ لأن العقار ما لا يستحدث فيه الملك، ولا يباع في كل ساعة بخلاف المنقول.
وإن كان في مال القنية عبد لخدمته، وثياب البذلة والمهنة، والدين لا مستغرق ذلك كله، بل يكفيه أحد المالين، فإلى أي المالين يصرف الدين؟ اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا: يصرف إلى عبد الخدمة، منهم الفقيه أبو إسحق الحافظ، والفقيه أبو بكر البلخي، وبعضهم قالوا: يصرف إلى ثياب البذلة والمهنة، منهم الفقيه أبو جعفر رحمه الله، وهذا الذي ذكرنا من الترتيب إذا أتاه المصدق، فيقول: عليّ دين، فيصرف على هذا الترتيب، فأما إذا كان يؤدي بنفسه يصرفه إلى أي المالين ما بعد أن يكون مقدار الواجب، فهما على السواء، وهذا لأن الدين عليه والمال له، وليس في صرفه إلى أحدهما ضرر على الفقراء، وكان له أن يصرف إلى أيهما.
وقيل في دين المهر: أنه يمنع وجوب الزكاة كسائر الديون، وقيل: إن كان من نية الزوج: أنها متى طالبته تلقاها بلطف، ويقرها أنه متى صادف مالاً لا يبطل حقها يمنع وجوب الزكاة كسائر الديون، وإن كان من حقه أنه متى طالبته ضربها، وتلقاها بالإنكار لا يمنع وجوب الزكاة.
قال القدوري في «كتابه» : وقال أصحابنا رحمهم الله: إن النفقة لا تمنع وجوب الزكاة ما لم يقض بها، فإذا قضي منعت؛ لأن النفقة لا تصير ديناً قبل قضاء القاضي فهذا الجواب مستقيم في نفقة الزوجات؛ لأنها تصير ديناً بقضاء القاضي، فأما نفقة المحارم ففي صيرورتها ديناً بقضاء القاضي كلام يأتي في موضعها إن شاء الله.
ولو ضمن دركاً، فاستحق المبيع بعد الحول لم تسقط الزكاة؛ لأن الوجوب يقتصر على ماله الاستحقاق، ومن جملة الموانع الصبي والجنون، حتى لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون عندنا، فإذا كان الجنون أصلياً ثم أفاق، فعند أبي حنيفة: يعتبر ابتداء الحول من حين الإفاقة؛ لأنه لا خطاب قبل ذلك، فصارت الإفاقة في حق المجنون بمنزلة البلوغ في حق الصبي، وإذا طرأ الجنون فإن استمر سنة سقط، وإن كان أقل من ذلك لا يعتبر.
وروي عن أبي يوسف: أنه اعتبر الإفاقة في أكثر السنة، فإن كان مفيقاً في أكثر السنة تجب الزكاة وما لا فلا، وروي عنه: أنه إذا أفاق ساعة من الحول تجب الزكاة، وهو قول محمد؛ لأن السنة للزكاة بمنزلة الشهر للصوم، ثم الإفاقة في شيء من الشهر تكفي لوجوب الصوم، فكذا الإفاقة في شيء من السنة تكفي لإيجاب الزكاة، والذي يجن ويفيق بمنزلة الصحيح، وهو النائم والمغمى عليه.