بالنذر والوفاء بالنذر واجب، ولم يذكر محمد رحمه الله أن أي قدر يؤدي الزكاة، واختلف المشايخ فيه، والصحيح أنه يؤدي درهمين ونصفاً، وهذا القائل يقول: كل المائة لا تقع عن النذر، بل تقع عن النذر قدر سبعة وتسعين درهماً ونصف درهم، والباقي إلى تمام المائة وهو درهمان ونصف تقع عن الزكاة.
وجه ذلك: أن درهمين ونصفاً من الزكاة كان في المائة التي تصدق بها عن النذر، وتعلق به حق الفقير، وقد يصل ذلك إلى الفقير، فيعتبر واصلاً إليه من جهة المستحق لا من جهة المنوية، ألا ترى أنه لو تصدق بجميع النصاب ينوي التطوع تسقط عنه الزكاة.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : أيضاً رجل له دراهم ودنانير، وعروض التجارة وسوائم، ومال قنية، وعقار، وغلة دين مستغرق، فلا زكاة عليه، وقد مر هذا، وإن استغرق الدين بعض هذه الأموال، ذكر في عامة نسخ «الجامع» : أنه يصرف الدين إلى نصاب الدراهم والدنانير، ثم إلى مال التجارة، وهكذا ذكر في «النوادر» ، وذكر في بعض نسخ «الجامع» : أنه يصرف الدين إلى الدراهم والدنانير، وأموال التجارة، وسوى بين الدراهم والدنانير وأموال التجارة والأول أصح.
يجب أن يعلم أنه إذا كان للمديون صنوف من الأموال المختلفة، والدين مستغرق بعض هذه الأموال، فالدين أولاً يصرف إلى الدراهم والدنانير إما لأن قضاء الدين استبدال من حيث إن الديون يقضى بأمثالها، والقضاء بالمثل مبادلة، وكان صرفه إلى مال معد للاستبدال أولى، والدراهم والدنانير معدة للاستبدال دون غيرهما، وإما لأن الدراهم والدنانير أيسر المالين قضاء، والدين أبداً يصرف إلى أيسر المالين قضاء، فإن فضل شيء من الدين يصرف إلى عروض التجارة دون السائمة، إما؛ لأن قضاء الدين من عروض التجارة أيسر من قضائها من السائمة؛ لأن السائمة معدة للإمساك.
بخلاف عروض التجارة، أو لأن الصرف إلى عروض التجارة أنفع في حق الفقراء؛ لأن السائمة خالية عن الدين، وزكاة عروض التجارة مفوض إلى أربابها، وعيني يختار الأداء وعيني لا يختار، فإن فضل شيء من الدين يصرف إلى السائمة، ولا يصرف إلى مال العينية؛ لأن قضاء الدين من السائمة أيسر؛ لأنها فارغة عن الحاجة الأصلية، فالإتيان دليل عليه بخلاف مال العين؛ لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية.
فإن كان له نصيب من السوائم الإبل، والبقر، والغنم، والدين يصرف إلى أهلها زكاة، حتى إن في هذه المسألة يصرف الدين إلى الإبل أو الغنم، ولا يصرف إلى البقر؛ لأن الواجب في ثلاثين من البقر تبيع، والواجب في خمس من الإبل شاة، وكذلك الواجب في أربعين من الغنم شاة، ولا شك أن تبيعاً أنفع في حق الفقير من الشاة، فيصرف الدين إلى الإبل، أو الغنم دون البقر، ليمكن إيجاب الأنفع للفقراء، ثم المالك إن شاء صرف الدين إلى الغنم، وإن شاء صرفه إلى الإبل لإيجاد الواجب فيهما، وروي في غير رواية الأصول الدين يصرف إلى الغنم دون الإبل، لأن ذلك أنفع في حق الفقير.
بيانه: أنه إذا صرف الدين إلى الغنم يبقى نصاب الإبل خالياً عن الدين، والواجب