لأن هذا ليس بدين، بل هو مصادرة يوجد من أرباب الأراضي، فما لم يوجد منه حتى يصير النصاب ناقصاً، لا يمنع وجوب الزكاة، وإذا كان الخراج بحق إنما منع وجوب الزكاة إذا كان تمام الحول بعد إدراك الغلة، أما إذا كان قبل إدراك الغلة، فلا؛ لأن الخراج إنما منع وجوب الزكاة على تقدير الوجوب، ووقت وجوب الخراج وقت إدراك الغلة، وكذلك الأرض العشرية إذا أخرجت طعاماً، واستهلكه، وضمن مثله ديناً في الذمة، وذلك قبل تمام الحول على الدراهم، ثم تم الحول على الدراهم فليس عليه فيها زكاة؛ لأن هنا دين له مطالب من جهة العباد، وهو الإمام.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» أيضاً: رجل له مائتا درهم لا مال له غيرها قال قبل الحول: لله عليه أن يتصدق بمائة منها صح النذر، ولزمه أن يتصدق بمائة منها عيناً، حتى لو هلكت المائتان بطل النذر؛ لأن النذر بالتصدق أضيف إلى مائة من هاتين المائتين والدراهم والدنانير تتعينان في النذور؛ لأن النذر ينزع، فلو أنه لم يتصدق بمائة من هاتين المائتين حتى حال الحول على المائتين لزمه زكاة المائتين خمسة، وإن صارت مائة منه مستحقة بالنذر؛ لأن هذا حق لا مطالب له من جهة العباد.
فإن قيل: لم لا يمنع وجوب الزكاة من حيث أن الاستحقاق بمنزلة الهلاك؟ قلنا: إن الاستحقاق ثبت بنذره، وله ولاية تغيير ماله، أما ليس له ولاية تغيير ما عليه، وكون المال سبباً لوجوب الزكاة أمر عليه، فلا يظهر الاستحقاق الذي هو بمنزلة الهلاك في حق خروج هذا المال من أن يكون سبباً لوجوب الزكاة بنذره، ثم إذا لزمته الزكاة، وإخراج خمسة منها ينوي الزكاة بها، فإن عليه أن يتصدق للنذر سبعة وتسعين درهماً ونصف درهم، وسقط عنه التصدق بدرهمين ونصف؛ لأن الخمسة التي وجبت زكاة وجبت شائعة في المائتين في كل مائة درهمان ونصف، فيصير قدر درهمين ونصف مستحقاً من المنذور به من غير إيجاب بإيجاب الله تعالى، فصار بمنزلة ما لو هلك هذا القدر، فبطل النذر بقدره، ولزمه الوفاء بما بقي، وذلك سبعة وتسعون ونصف.v
وهذا بخلاف ما لو قال: لله عليّ أن أتصدق بمائة درهم، ولم يقل: منها، وتم الحول حتى لزمه الزكاة، فأدى خمسة منها ينوي بها الزكاة، فإن عليه أن يتصدق بمائة درهم للنذر، بخلاف المسألة الأولى.
والفرق: أن في هذه المسألة النذر بالتصدق ما أضيف إلى مائة من النصاب حتى يتعين مائة من النصاب للتصدق، بل وجب التصدق بمائة في الذمة، ولا تعلق له بالنصاب، فوجوب الزكاة لا يصيّر شيئاً من النذور مستحقاً، فلا يبطل شيء من النذر. (١٤١أ١)
وكذلك المسألة الأولى؛ لأن في المسألة الأولى: النذر بالتصدق أضيف إلى المائة من النصاب عيناً، والخمسة الواجبة نصفها من المائة المنذورة لما ذكرنا، أن الزكاة في المائتين وجب على الشيوع، فبقدر درهمين ونصف صار مستحقاً من المنذور، فسقط التصدق بقدره، فلو أن هذا الرجل بدأ بالنذر أولاً، وأدى المائة عن النذر صح؛ لأنه وفاءٌ