وأما الكلام في دين الزكاة، فنقول: إن كان زكاة السائمة تمنع وجوب الزكاة بلا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله.
وصورته: إذا كان له نصاب من الأثمان أو السوائم، أو عروض التجارة، فحال الحول ووجب الزكاة، ثم حال الحول ثانياً لم تجب الزكاة في الحول الثاني في السوائم بلا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله، سواء كان ذلك في العين بأن كان العين قائماً، أو في الذمة باستهلاك النصاب، وفي الأثمان وعروض التجارة كذلك الجواب عند أبي حنيفة، ومحمد، سواء كان ذلك في العين، أو في الذمة باستهلاك النصاب، وقال أبو يوسف: إن كان في العين لا تجب الزكاة في الحول الثاني، وإن كان في الذمة تجب الزكاة في الحول الثاني، وقال زفر: تجب الزكاة في الحول الثاني سواء كان ذلك في العين أو في الذمة.
وجه قول زفر: أن هذا دين لا مطالب له من جهة العباد؛ لأن الزكاة في الأثمان وعروض التجارة أداؤها مفوض إلى أربابها، فلا يمنع وجوب الزكاة قياساً على النذور والكفارات، وأبو يوسف يقول: القياس ما قاله زفر، إلا أنه إذا كان في العين، إنما يمنع وجوب الزكاة؛ لأن جزءاً من العين صار مستحقاً به، فصار النصاب ناقصاً، وأبو حنيفة، ومحمد قالا: هذا دين له مطالب من جهة العباد تقديراً.
بيانه: أن زكاة الأثمان، وعروض التجارة زمن رسول الله عليه السلام وزمن أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما كان مفوضاً إلى الإمام، إلا أن عثمان رضي الله عنه فوض ذلك إلى أربابها لمصلحة رأى في ذلك، وجعل أرباب الأموال كالوكلاء نفسه، لا أنه أبطل على نفسه حق الأخذ، وهذا لأن حق المطالبة للإمام عرف بعهد رسول الله عليه السلام وبعهد أبي بكر، وعمر، وحكم ثبت من جهة النبي عليه السلام، ومن جهة أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، لا يجوز لعثمان رضي الله عنه إبطاله، فدل أنه فوض الأداء إلى أرباب الأموال بطريق التوكيل، وكان هذا ديناً له مطالب من جهة العباد تقديراً.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل له مائتا درهم، فقبل الحول وجب عليه حجة الإسلام، أو حجة أوجبها، أو كفارة، أو صدقة من طعام، أو عتق، أو هدي متعة، أو أضحية، ثم تم الحول على المائتين وجبت عليه الزكاة؛ لأن هذه الحقوق لا مطالب لها من جهة العباد، ومثل هذا لا يمنع وجوب الزكاة، فلو امتنع وجوب الزكاة ههنا إنما يمنع لهذه الحقوق، ولو كان الدين خراج أرض يمنع وجوب الزكاة بقدره؛ لأن هذا دين له مطالب من جهة العباد، وهو السلطان، فإن السلطان مطالب بالخراج، وإذا امتنع يحبسه عليه.
وكان الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطهاويسي رحمه الله يحكي عن أستاذه الشيخ الإمام الزاهد عبد الواحد رحمه الله أنه كان يقول: هذا إذا كان خراجاً يوجد بحق، فأما ما يوجد بغير حق كخراج المستقرض لا يمنع وجوب الزكاة ما لم يوجد منه قبل الحول؛