رجل سلم غزلاً إلى حائك لينسجه، وأمره أن يزيد في الغزل رطلاً من غزله، فهذا على أربعة أوجه:
الأول: أن يقول: أقرضني رطلاً من غزلك على أن أعطيك مثله، وأمره أن ينسج منه ثوباً على صفة معلومة بأجرة معلومة، وإنه جائز استحساناً، سواء كان الاستقراض مشروطاً في عقد الإجارة، أو لم يكن.
والقياس فيما إذا كان الاستقراض مشروطاً في عقد الإجارة أن لا تجوز الإجارة؛ لأن هذه إجارة شرط فيها مالا يقتضيه العقد، ولأحد المتعاقدين فيه منفعة، ولكن تركنا القياس للتعارف والتعامل. فإن العرف جار فيما بين الناس، أنهم يدفعون غزلاً، ويأمرون الحائك بنسج ثوب مقدر ولا يفي الغزل للثوب المأمور به ويشترطون قرض ما يتم به الثوب من عند الحائك، فهذا شرط متعامل فيما بين الناس من غير نكير، فيجوز ويترك القياس لأجله كما ترك القياس في الاستصناع للتعامل، وترك القياس فيما إذا اشترى نعلاً على أن يشركه البائع ويحدده كان الشراء جائزاً وإن شرط فيما اشترى أجراً، وأجازه لأنه شرط متعارف فيما بين الناس، فكذلك هذا.
وأما الوجه الثاني: إذا قال زدني رطلاً من غزلك على أن أعطيك مثل غزلك، وإنه جائز ويكون قرضاً. وإنما جعل قرضاً، أما إذا قال: على أن أعطيك مثل غزلك؛ لأنه وإن احتمل البيع يحتمل القرض، فكان حمله على القرض حتى لا يصير بائعاً ما ليس عنده أولى من حمله على البيع ويصير بائعاً ما ليس عنده، وإنه منهي عنه شرعاً. وأما إذا سكت إنما جعل قرضاً، وإن احتمل الهبة؛ لأنه كما يحتمل الهبة يحتمل القرض والقرض أقل التبرعين؛ لأنه لتمليك المنفعة دون العين على ما عرف، والهبة لتمليك العين والمنفعة جميعاً، فكان الأقل منتفياً، فكان الأقل أولى بالإثبات.
ثم إن لم يكن مشروطاً في عقد الإجارة جازت الإجارة قياساً واستحساناً.
وإن كان مشروطاً، فالمسألة على القياس والاستحسان الذي ذكرنا؛ لأن رفع الاختلاف بين رب الثوب وبين الحائك بعد ما فرغ الحائك من العمل، فقال رب الثوب: لم يزد فيه شيئاً، وقال الحائك: لا بل زدت، والثوب مستهلك، فإن باعه صاحبه قبل أن يعلم وزنه، فالقول قول ربّ الثوب مع يمينه، وعلى الحائك البيّنة. فإن نكل رب الثوب عن اليمين يثبت ما ادعاه الحائك، فيلزم رب الثوب ذلك. وإن حلفه برئ عما ادعاه الحائك، وإن كان الثوب قائماً سيأتي الكلام فيه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
الرابع: أن يقول: زد رطلاً من مالك على أن أعطيك ثمن الغزل، وأجر عملك كذا كذا درهماً. فالقياس: أن لا يجوز وفي الاستحسان يجوز ويجيء للقياس طرق ثلاثة إن كان شراء الغزل مشروطاً في الإجارة.
أحدها: أنه باع ما ليس عنده لا على وجه السلم، فيكون فاسداً.
والثاني: أنه شرط بيعاً في إجارة، وهذا يوجب فساد الإجارة، كما في إجارة الدار.
والثالث: أنه استصنع في حق الزيادة؛ لأن العمل والعين من الحائك، والاستصناع في الثياب لا يجوز كما لو استصنع في أصل الثوب، وإن لم يكن مشروطاً، فلا يجوز