معهما خصم ثم جاء الوكيل برجل وادعى أن للموكل قبله حقاً، فإن كان القاضي يعلم الموكل باسمه ونسبه يقضي بوكالته، ولا يكلفه إقامة البينة على الوكالة؛ لأن علم القاضي بالمعاينة فوق علمه بالخبر، فإذا كان يقضي بوكالته عند حصول العلم له بالخبر، فهذا أولى ولا يشترط حضرة الخصم عند التوكيل بصحة التوكيل عند القاضي، لأن حضرة الخصم إنما يحتاج إليه للجحود ليمكن إثبات الوكالة بالبينة، فيحصل العلم للقاضي بالبينة بكونه وكيلاً، فإذا كان العلم حاصلاً للقاضي بالمعاينة لا حاجة إلى اعتبار حضرة الخصم، فإن كان القاضي لا يعرف الموكل باسمه ونسبه لا يقضي بالوكالة؛ لأن الموكل غائب وقت القضاء بالوكالة، والغائب إنما يعرف بالاسم والنسب، فإذا لم يعرف القاضي ذلك بقي الموكل مجهولاً، والقضاء للمجهول وعلى المجهول باطل، بخلاف ما لو كان الموكل حاضراً حيث يقضى القاضي بوكالته، وإن لم يعرف اسمه ونسبه؛ لأنه معلوم لكونه حاضراً، فإن لم يعرف القاضي الموكل باسمه ونسبه فقال الموكل: أنا أقيم البينة أني فلان بن فلان ليقضي بالوكالة متى جئت، لا يلتفت القاضي إليه؛ لأن شرط سماع البينة على النسب، الخصومة في النسب ولم توجد، فإن غاب الموكل فأحضر الوكيل رجلاً فادعى أن للموكل عنده حقاً وأقام الوكيل البينة
عليه أن فلان بن فلان الفلاني وكله بالخصومة في كل حق له عند الناس بالكوفة، وأنكر ذلك الخصم وكالته، قبلت بينته وصار وكيلاً في حق جميع من كان بالكوفة لما قلنا.
وإن أرادوا من القاضي في هذه الوجوه كلها أن يسمع من الشهود بغير محضر من الخصم، ليكتب الكتاب بشهادتهم إلى قاضي آخر أجابهم القاضي إلى ذلك، لأن كتاب القاضي إلى القاضي ليس بقضاء ليحتاج فيه إلى حضرة الخصم، إنما هو من القاضي الكاتب نقل شهادة الشهود إلى مجلس القاضي المكتوب إليه، بمنزلة الشهادة على الشهادة، ثم الإشهاد على الشهادة صحيح من غير حضرة الخصم، فكذا كتاب القاضي إلى القاضي قد يجوز للقاضي المكتوب إليه القضاء بكتاب للقاضي وحده، وإن لم يجز له القضاء بشهادة هذا القاضي الكاتب بانفراده، بأن ذهب بنفسه إلى بلدة القاضي المكتوب إليه، وشهد بين يديه على شهادة هؤلاء، والفرق وهو أن القاضي الكاتب نقل شهادة الشهود إلى القاضي المكتوب إليه بكتابه وهو قاض، وقوله وهو قاض بمنزلة شهادة الشاهدين فكذلك كتابه، أما إذا ذهب بنفسه إلى تلك البلدة وشهد فقد نقل شهادة الشهود بقوله وهو ليس بقاض؛ لأنه بعدما خرج من البلدة التي هو قاض فيها لا يبقى قاضياً ويلتحق بواحد من الرعايا، فلا يثبت النقل بمجرد قوله، حتى لو كان قاضي تلك البلدة أيضاً بأن كان قاضي القضاة تثبت شهادة الشهود بمجرد قوله في مجلس القاضي الثاني.
ثم ما ذكر من الجواب قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو قول محمد الأول، وأما على قوله الآخر الذي رجع إليه لا تثبت شهادة الأصول عند المكتوب إليه بكتاب القاضي ما لم يشهد معه شاهد آخر والمسألة معروفة، والذي ذكرنا من الجواب في الوكيل، فكذا في الوصي في الفصول كلها؛ لأن الوصي وكيل بعد الوفاة فيعتبر بالوكيل حالة الحياة إلا