يشترط بيان موضع الحفر قالوا: وهذه إشارة إلى أن بيان الموضع في غير ملكه ليس بشرط.
قال في «الأصل» : وإذا استأجر الرجل رجلاً ليضرب له لبناً في داره وعين اللبن أو سمى ملبناً معلوماً فالإجارة جائزة؛ لأنه استأجره لعمل معلوم، وإن لم يعين الملبن ولا سمى ملبناً معلوماً، فإن كانت بلدة ملابينهم مختلفة، وكل الملابن في الاستعمال على السواء فالإجارة فاسدة وإن كانت بلدة لأهلها ملبن واحد أو ملابن مختلفة، إلا أنه غلب استعمالهم لواحد تجوز الإجارة؛ لأن الملبن معلوم في هذه الحالة عرفاً إن لم يكن معلوماً شرطاً، فإن لبنه وأصاب المطر اللبن فأفسده قبل أن يدفعه فلا أجر له، وإن كان يعمل في داره.
فرق بين هذا وبينما إذا استأجر خياطاً ليخيط له ثوباً في داره فخاط بعض الثوب فسرق يستحق الأجر بقدره.
وكذلك إذا استأجر حفاراً يحفر بئراً في داره فحفر بعضه فانهار استحق الأجر بقدر ما حفر، وكذلك إذا استأجر بنَّاء ليبني له بناء في أرضه فبنى البعض فانهدم، فإنه يستحق من الأجر بقدره.
والفرق بين هذه المسائل وبين مسألة اللبن: أن في مسألة اللبن قدر ما وجد من العمل أن وقع مسلماً إلى المستأجر من الوجه الذي صار مسلماً في تلك المسائل، إلا أن هذا القدر من العمل في مسألة اللبن غير مقابل بالأجر؛ لأن الأجر مقابل بعمل الثلثين وليس بثلثين؛ لأن الثلثين لم يتم بعد.
ألا ترى أنه يحتاج إلى إحداث عمل آخر فيما عمل، وهو النصب والتسوية فيكون ما يجد به من العمل فيما عمل إتماماً للعمل الأول؛ لأنه يجعل في محل عمل الأول فيكون إتماما لذلك العمل وإذا لم يتم الثلثين قبل النصب والإقامة والأجر مقابل بالثلثين لم يستحق شيئاً.u
وإن كان يعمل في داره كما لو استأجر خياطاً ليخيط له ثوباً في داره فقطع الثوب، وقبل الخيط وسرق الثوب لا يستحق بإزاء ما عمل شيئاً وإن وقع ذلك القدر مسلماً، لأنه يعمل في داره إنما كان كذلك؛ لأن الأجر مشروط مقابل بالخياطة، وما صنع ليس بخياطة إنما هو عمل من أعمال الخياطة.
وكذلك إذا استأجر رجلاً ليخبز له دقيقاً معلوماً في داره فنخل الدقيق وعجن ثم سرق قبل أن يخبزه لا يستحق أجراً وكذلك لو احترق الخبز في التنور قبل إخراجه من التنور لا أجر له، وإن كان يخبز في بيت المستأجر؛ لأن الأجر مقابل بالخبز ولم يوجد الخبز إنما وجد عمل من أعماله فكذا في مسألتنا.
بخلاف ما إذا خاط بعض الثوب؛ لأن القدر الذي أتى به خياطة ألا ترى أنه لا يحتاج إلى فعل آخر فيما خاط، فإنما يحتاج إلى إحداث فعل آخر في محل آخر مثل الأول وما يوجد من الفعل في محل لا يكون إتماماً لما وجد من الفعل في محل آخر.