إذ أقام المدعي بينة أن الغاصب غصبه يوم النحر بالكوفة، وأقام الغاصب البينة أنه كان يوم النحر بمكة أو العبد، فالضمان واجب على الغاصب؛ لأن البينة التي أقامها الغاصب على كونه يوم النحر بمكة لا يتعلق بها حكم، فيطلق ضرورة.
وقال محمد رحمه الله في «الإملاء» : إذا شهد شهود الغاصب أنه مات في يد المغصوب منه، وشهد شهود المغصوب منه أنه مات في يد الغاصب، فالبينة بينة الغاصب؛ لأن بينة المالك لا تثبت بإقرار الغاصب، فإن الضمان يجب بالغصب لا بالموت، والغاصب قد أقر بالغصب، فخرجت بينة المالك من البين والغاصب ببينته يثبتت الرد حيث أثبت الموت في يد المالك، وسيأتي بعد هذا عن أبي يوسف بخلافه.
في «المنتقى» ابن سماعة عن أبي يوسف: في رجل غصب من آخر عبداً، فوجد المغصوب منه عبده فأخذه، وفي يده مال، فقال الغاصب: هو مالي، وقال المغصوب منه: هو مالي، قال: إن كان العبد في منزل الغاصب، والمال في يده فهو للغاصب، وإن لم يكن في منزل الغاصب، فهو للمغصوب منه.
بشر عن أبي يوسف: غاصب الثوب إذا قال: صبغته أنا، وقال المغصوب منه: غصبته مصبوغاً، فالقول قول المغصوب منه، وكذلك إذا اختلفا في بناء الدار، وحلية السيف فهو مثل اختلافهما في الصبغ.
عمرو بن أبي عمرو عن محمد رحمه الله: إذا وقع الاختلاف في بناء الدار، فالقول قول رب الدار؛ كما قال أبو يوسف، قال: وإن أقاما البينة، فالبينة بينة الغاصب، قال وكذلك النخيل والشجر في الأرض، ولو اختلفا في متاع موضوع في الدار المغصوبة أو في آجر موضوع أو في باب موضوع فالقول قول الغاصب والبينة بينة المغصوب منه.
رجل غصب عبد رجل وباعه، وسلم العبد، وقبض الثمن، ومات العبد في يد المشتري، فقال المالك: أنا أمرته بالبيع، فالقول قوله، ولو قال: لم أقره ولكني أجزت البيع حين بلغني؛ لم يلتفت إلى قوله، ولا سبيل له على الثمن إلا أن يقيم البينة أنه أجاز البيع قبل موت العبد.
هشام في «نوادره» : سألت محمداً عن رجل أتى سوقاً، وصب لإنسان زيتاً أو سمناً، أو شيئاً من الأدهان أو الخل، وعاينت البينة ذلك، وشهدوا عليه فقال الجاني: صببت، وهو نجس قد ماتت فيه الفأرة، فالقول قوله، فإن (دخل) إلى سوق القصاص، فعمد إلى طواس اللحم، فرمى بها، واستهلكها، والشهود عاينوا ذلك، فشهدوا عليه، فقال الجاني: هي ميتة؛ قال: لا أصدقه على ذلك، ويسع الشهود أن يشهدوا أنها ذكية؛ لأنه لا يباع في السوق لحم ميتة، ويباع فيه زيت وسمن قد ماتت فيه الفأرة.
إبراهيم عن محمد: رجل اتخذ من طين لبناً أو جداراً، فهو له، وعليه قيمة الطين، وإن قال رب الطين: أنا أمرته أن يتخذه؛ قال هو لرب الطين.
بشر عن أبي يوسف: إذا شهد شهود الغاصب أن رب العبد قبضه منه، فمات عنده، وشهد شهود المغصوب منه أن العبد قد مات عند الغاصب، فالغاصب ضامن لقيمته؛ قال أبو الفضل: وهذا خلاف جواب «الأصل» .