أما على (٢١١أ٤) قول محمد فلأنهم لو قالوا: نعرف المودع بوجهه، ولا نعرفه باسمه ونسبه، لا تقبل الشهادة، ولا تندفع الخصومة عنه عند محمد، فهاهنا أولى.
وأما على قولهما فلأن بهذه الشهادة لم يثبت وصول العين إلى صاحب اليد من جهة غير المدعي بيقين، لجواز أن يكون الدافع هو المدعي، وعلى هذا التقدير لا تندفع الخصومة عن ذي اليد، فلا تندفع الخصومة من ذي اليد بالشك والاحتمال، وإن قالوا: نعرف المودع بوجهه ولانعرفه باسمه ونسبه:
فعلى قول محمد: لا تقبل هذه الشهادة؛ لأن الخصومة على ذي اليد توجهت بظاهر يده فلا تندفع عنه الخصومة إلا بالحوالة على رجل يمكن اتباعه ليكون تحويلاً للخصومة لا إبطالاً، ولم توجد الحوالة على رجل يمكن اتباعه لأن الغائب لا يعرف إلا بالتسمية والنسب، فإذا كان المدعي بوجهه والشهود لم يذكروا اسمه ونسبه لا تتحقق الحوالة، وعندهما تقبل الشهادة لأن حاجة صاحب اليد إلى دفع الخصومة عن نفسه، وإنما تندفع الخصومة عنه إذا أثبت أن يده ليست بيد ملك وخصومة، وقد حصل ذلك هاهنا؛ لأنا علمنا أن العين وصلت إلى يد صاحب اليد من غير هذا المعين بيقين، وبه فارق ما إذا قال: لا نعرفه أصلاً.
ولو قال الذي في يديه: أودعنيه رجل لا أعرفه، وقال الشهود: أودعنيه فلان بن فلان.
ذكر الخصاف في «أدب القاضي» : أن القاضي لا يقبل هذه الشهادة، ولا تندفع الخصومة عن ذي اليد؛ لأن دعوى المدعى عليه الإيداع هاهنا غير صحيحة لجهالة المودع، والشهادة لا تقبل من غير دعوى صحيحة، ولو أقر المدعي أن رجلاً دفعها إليه والمدعي لا يعرفه، فلا خصومة بينهما لأنه ثبت بإقرار المدعي أنه وصل العين إلى المدعى عليه من جهة غير المدعي بتفسيره.
وكذلك لو شهد شهود صاحب اليد على إقرار المدعي أن رجلاً دفعها إليه؛ اعتباراً للإقرار الثابت بالبينة بالثابت عياناً، ولو قال شهود المدعى عليه: نعرف المودع باسمه ونسبه، ولا نعرفه بوجهه، فهذا فصل لم يذكره محمد رحمه الله، وقد اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا: لا تندفع الخصومة عن ذي اليد، لجواز أن يكون الدافع هو المدعي، وقال بعضهم: تندفع، وهكذا ذكر في كتاب «الأقضية» ؛ لأن القاضي سأل المدعي هل هو بهذا الاسم والنسب؟ فإن قال: لا، ظهر أنه غير المودع، وظهر بهذه البينة وصوله إلى يده من جهة غير المدعي.
ولو قال الذي في يديه: أودعنيها فلان لرجل معروف، وشهد شهود أن رجلاً أودعها إياه، قالوا: لا تقبل هذه الشهادة لعدم الموافقة بين الدعوى والشهادة، والاحتمال أن الدافع هو المدعي.
ولو قال شهود صاحب اليد: نعرف المودع بوجهه واسمه، ونسبه، ولكن لا نشهد به لا تندفع الخصومة أيضاً، لأنهم أخبروا أن عندهم شهادة ولم يشهدوا، وبإخبار الشاهد