يرجع في الهبة إلا أن الرجوع الأول لما بطل كانت الزيادة المتصلة حاصلة على ملك الموهوب له، وهذا يمنع الرجوع في الهبة.
فإن كانت الجارية قد ماتت في يد الواهب كان للموهوب له الخيار؛ إن شاء ضمن المودع، وإن شاء ضمن الواهب قيمتها؛ لأنه لما ظهر بطلان الرجوع في الهبة ظهر أن القابض قبض مال الغير بغير إذنه، وأن المودع دفع الوديعة إلى غير المالك بغير إذن المالك، فصار كل واحد في حق المالك بمنزلة الغاصب، فلهذا كان له الخيار في التضمين، فإن ضمن الواهب لا يرجع على المودع ضمن على الغاصب، وإن ضمن المودع لا يرجع على الواهب بما ضمن أيضاً باعتبار أن في زعم المودع أن الرجوع صحيح هاهنا.
لما أن الغاصب عبدي، وقد أخذ بعض مالي حيث ضمنني، وما يأخذ من مولاه لايزول عن ملك مولاه، فلم يلحق المودع غرم بما دفع إلى مولاه، فلا يكون له أن يرجع بذلك على صاحبه بما أوجب الضمان في «الكتاب» على المودع، ولم يحك فيه خلافاً.
وذكر الكرخي: أن هذا قول محمد؛ لأن المودع بما أقر برق الغائب صار مسلطاً القاضي على الوديعة، فصار مضيعاً لها، وأما على قول أبي يوسف: لا يضمن لأن الدفع حصل بقضاء القاضي، وفي مثل هذا لا يجب الضمان على المودع على ما مر قبل هذا.
وإن قال المولى: قد علمت أنك وهبتها للذي أودعني إلا أنه ليس بعبد لي، فأقام المدعي بينة على أن فلاناً الغائب عبده لا تقبل هذه البينة إن كان العبد حياً؛ لأن هذه بينة قامت على إثبات الملك في نقلي غائب عن مجلس القضاء فلا تقبل.
وإن قال الواهب: ليست لي بينة وطلب يمين المودع بالله إن الغائب ليس بعبد له؛ استحلفه القاضي؛ لأنه ادعى عليه معنى لو أقر به لزمه، فإذا أنكر يستحلف رجاء النكول، فإن حلف برىء عن الخصومة، وإن نكل لزمته الخصومة؛ لأن النكول بمنزلة الإقرار.
ولو أقام المدعي بينة على إقرار المولى أن فلاناً عبده تقبل بينته، وقضى بالرجوع؛ لأن هذه بينة قامت على إثبات كلام الحاضر وهو الإقرار، والإنسان خصم فيما يدعى عليه من الإقرار، والقضاء بذلك لأنه لا يتعدى إليه، فيقضي القاضي عليه بذلك، كما لو أقر بذلك بين يدي القاضي، وإن أقام المدعي بينة على أن الغائب عبد هذا الرجل وأنه قد مات قبلت بينته، وصار ذو اليد خصماً وقد مر هذا فيما تقدم.
وإن أقام المدعي بينة على أن الغائب كان عبده وأنه قد باعه من فلان بألف درهم، وقبضه فلان منه لم تقبل بينته؛ لأن فيه إثبات الملك في المنقول، وهو غائب عن مجلس القضاء، وفيه إثبات الملك للمشتري بالبيع، وهو غائب فلا تقبل، وإن أقام المدعي بينة على إقرار الذي في يده الجارية أنه قد باع فلان الغائب من فلان ولم يقم البينة على إقراره أن الغائب عبده، فالقاضي لا يقبل هذه البينة، ولا يجعل الذي في يديه خصماً؛ لأن هذا الإقرار لو ثبت معاينة لا يصير صاحب اليد خصماً لأن الإقرار ببيع الغائب لا يكون إقراراً بأنه عبده لا محالة؛ لأن الإنسان كما يبيع عبد نفسه يبيع عبد غيره أيضاً، فإذا لم يكن هذا