فلهذا افترقا بين هذه المسألة وبين مسألة ذكرها في كتاب المأذون، أن العبد إذا باع واشترى، ثم أقام البينة على أنه محجور، أو على إقرار العاقد الآخر بذلك حيث لا تقبل، وإنما كان كذلك؛ لأن هناك إنما لم تقبل لأنه يسعى في نقض ما تم به وأراد إثباته بالبينة، ومن سعى بنقض ما تم به وإثباته بالبينة لا يسمع ذلك منه لصيرورته متناقضاً.
وفي حق هذا لا فرق بينما إذا أقام البينة على كونه محجوراً، وبينما إذا أقام البينة على إقرار العاقد بكونه مجحوراً، إلا أن البائع لو كان حراً وأقام البينة على أن ما باع كان حراً، وعلى إقرار المشتري أن ما اشترى كان حراً، لا يسمع ذلك منه لما قلنا.
أما في مسألة «الجامع» : إنما لا تقبل بينة على الحجر إلى نقض ما تم به لا ساعٍ إلى اتفاق جرى بينهما من الهبة، لكن إنما لا تقبل لأنها قامت على إحالة الخصومة على الغير، وهذا المعنى معدوم فيما إذا أقام البينة على إقرار الواهب بالحجر، فلهذا افترقا.
هكذا كله إذا كان المولى غائباً والعبد حاضر، فإن حضر المولى وغاب العبد فأراد الواهب أن يرجع في هبته؛ فإن كان الموهوب في يد العبد لم يكن المولى خصماً، لأن الواهب لا يدعي على مولى العبد عيناً في يده، ولا حقاً في عين في يده، ولا ديناً في ذمته.
والإنسان (٢١٠ب٤) إنما ينتصب خصماً لغيره بأحد هذه الوجوه، وإن كانت الهبة في يد المولى كان خصماً لأن المولى يزعم أن ما في يده ملكه لأن ما يأخذ المولى من عبده يكون ملكاً له إذا لم يكن على العبد دين، ولم يعرف ثبوت الدين على العبد.
ومن ادعى حقاً في عين يد إنسان والذي في يديه العبد يزعم أنه مالك له، انتصب خصماً للمدعي كذا هاهنا، فإن قال المولى: أودعني هذه الجارية عبدي فلان ولا أدري أوهبتها له أم لا؟ فأقام المدعي بينة على الهبة فالمولى خصم؛ لأن المولى يودعه عبده، فيكون مالكاً ولا يكون مودعاً على ما مرَّ، فالمولى بدعواه أنه أودعها إياه عبده يزعم أنه مالك لها، فينتصب خصماً للمدعي في إثبات حق جرى بين المدعي وبين الغاصب؛ لأنه يدعي حقاً في ما يده بسبب جرى بينه وبين الغاصب، فينتصب خصماً عن الغائب.
كرجل في يديه عبد جاء رجل وادعى أنه قد اشتراه من فلان بكذا وهو يملك، وأقام على ذلك بينة قضي له بذلك، وصار الحاضر خصماً عن الغائب كذا هاهنا.
فإذا قضى القاضي بالجارية للواهب فقبضها الواهب فزادت في يديها في يد الواهب، ثم حضر الموهوب له وأنكر أن يكون عبداً، فالقول قوله لكون الحرية أصلاً، فكان له أن يأخذ الجارية؛ لأنا لما جعلنا القول قول الذي حضر في أنه حر ظهر أن الذي كانت الجارية في يده كان مودعاً لا مالكاً، فظهر أنه ما كان خصماً، وإن عينه الواهب قامت على غير خصم، فالتحقت بالعدم، فيرد القاضي الموهوب على الموهوب له بإقرار الواهب أنه كان في يد الموهوب له فيما مضى، ولا يمتنع الرد على الموهوب بسبب زيادة متصلة؛ لأنه تبين أن الزيادة حصلت على ملك الموهوب له؛ لأنه ظهر أن رجوعه في الهبة لم يصح، واسترداد المملوك لا يمتنع بسبب الزيادة المتصلة، ثم ليس للواهب أن