للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكفر؛ لأن السجدة على وجه التحية نفسها ليس بكفر، ألا ترى أن السجدة لغير الله تعالى على سبيل التحية كانت مباحة في الابتداء، والكفر لم يبح في زمان، والدليل على صحة ما قلنا أن الله تعالى أمر الملائكة بسجدة آدم عليه السلام، ولا يجوز أن يكون الكفر مأموراً به.

ثم تكلم العلماء أن سجدة الملائكة كانت لمن؟ بعضهم قالوا: كانت لله تعالى، ولكن التوجه إلى آدم كان تشريفاً وتكريماً لآدم، ألا ترى أنه تستقبل الكعبة في الصلاة، والصلاة تكون لله تعالى، والتوجه إلى الكعبة لتشريف الكعبة، كذا ههنا، وقال بعضهم: لا بل كانت السجدة لآدم على وجه التحية والإكرام له، ثم نسخ ذلك بقوله عليه السلام: «لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» أما الإثم فلأنه ارتكب ما هو محرم ومنهي عنه، وارتكاب المحرم يوجب الإثم.

والدليل على صحة ما قلنا مسألة ذكرها في «واقعات الناطفي» .

وصورتها: إذا قال أهل الحرب لمسلم: اسجد للملك وإلا قتلناك، فالأفضل له أن لا يسجد؛ لأن هذا كفر صورة، والأفضل للإنسان أن لا يأتي بما هو كفر صورة إن كان في حالة الإكراه، وإن أراد أن يسجد بنية التحية فالأفضل له أن يسجد؛ لأن هذا ليس بكفر، فهذه المسألة تؤيد ما ذكرنا فيمن سجد للسلطان على وجه التحية أنه لا يكفر، هذا إذا سجد بنية التحية، وإن سجد بنية العادة للسلطان أو لم تحضره النية، فقد كفر هذا هو الكلام في السجدة.

جئنا إلى الانحناء للسلطان أو لغيره، وإنه مكروه؛ لأنه تشبه بفعل المجوس.

وأما الكلام في تقبيل اليد، فإن (قدم) يد نفسه لغيره فهو مكروه؛ لأن ذلك من فعل الفساق، وإن قبل يد غيره، أو قبل يد عالم أو سلطان عادل لعلمه وعدله لا بأس به، هكذا ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» ، وقد صح أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخذ بركاب زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقال زيد: مهلاً يا ابن عم رسول الله، فقال عبد الله: هكذا كنا نصنع بعلمائنا من أكابر أصحاب رسول الله، فلما استوى زيد بن ثابت على بغلته، فقال لابن عباس: ناولني يدك فناوله، فقبل زيد يده، وقال: هكذا نصنع بأهل بيت رسول الله عليه السلام، فهذا يدلك على أنه لا بأس بتقبيل يد غيره لعلمه أو شرفه، وقد حكي عن سفيان أنه سمى تقبيل يد العالم، والسلطان العادل سنة، فقال له عبد الله بن المبارك: ومن يحسن هذا غيرك.

وإن قبل يد غير العالم، وغير السلطان العادل أراد به تعظيم المسلم وإكرامه فلا بأس به، وإن أراد به عبادة له أو يسأل منه شيئاً من عرض الدنيا فهو مكروه، وكان الصدر الشهيد يفتي بالكراهة في هذا الفصل من غير تفصيل، وعن علي الرازي أنه قال: كنا

<<  <  ج: ص:  >  >>