للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يجوز عملاً بهذا الظاهر، ولأن من جوز الاستصناع فيما للناس فيه تعامل (إما) أن يجوزه إجارة أو بيعاً أو سلماً، ولا وجه إلى تجويزه بيعاً؛ لأنه باع ما ليس عنده. ولا وجه إلى تجويزه سلماً؛ لأنه لم توجد شرائط جواز السلم، وإذا لم يمكن تجويزه على موافقة هذه العقود كان باطلاً، كالاستصناع في الثياب فهذا على وجه القياس.

وجه الاستحسان: أن القياس وإن كان يأبى جواز الاستصناع من الوجه الذي قلتم إلا أنا تركنا القياس وجوزناه بتعامل الناس، فإن الناس تعاملوا الاستصناع في هذه الأشياء من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلّمإلى يومنا هذا من غير نكير، ولا رد من الصحابة رضي الله عنهم ولا من التابعين رحمهم الله، وتعامل الناس من غير نكير (ولا) رد من علماء كل عصر حجة يترك بها القياس ويخص بها الأثر، ألا ترى أن دخول الحمام بأجر جائز استحساناً لتعامل الناس من غير نكير من علماء كل عصر وإن كان القياس يأبى جوازه؛ لأن مدة ما يمكث في الحمام وقدر ما يستعمل من الماء مجهول. وكذلك لو قال لسقاء: أعطني شربة ماء بفلس جاز ذلك لتعامل الناس فيه من غير نكير ورد من علماء كل عصر، وإن كان القياس يأبى جوازه فكذلك هذا.

والأصل في ذلك ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» ، والمسلمون رأوا الاستصناع حسناً فيكون حسناً بخلاف الاستصناع فيما لا يتعامل الناس فيه نحو الثياب وما أشبه ذلك؛ لأن المجوز للاستصناع التعامل ففيما لا تعامل فيه لا يجوز فيعمل فيه بالقياس.

ثم الاستصناع فيما للناس فيه تعامل إذا جاز استحساناً فإنما يجوز معاقدة لا مواعدة بدليل أن محمداً رحمه الله ذكر فيه القياس والاستحسان، ولو كان مواعدة لجاز قياساً واستحساناً، والدليل عليه: أنه فصل بين ما للناس فيه تعامل وبين ما لا تعامل للناس فيه، ولو كانت مواعدة لجاز في الكل.

والدليل عليه: أن محمداً رحمه الله قال في «الكتاب» : إذا فرغ الصانع من العمل، وأتى به كان المستصنع بالخيار؛ لأنه اشترى ما لم يره، فقد سماه شراء، وكذلك قال: إذا قبض الآخر فإنه يملكه، ولو كانت مواعدة لكان لا يصير الآخر ملكاً له، فدل أنه ينعقد لا مواعدة، ثم كيف ينعقد معاقدة؟ نقول ينعقد إجارة ابتداء ويصير بيعاً انتهاء متى سلم قبل التسليم بساعة بدليل أنهم قالوا: إذا مات قبل تسليم العمل بطل الاستصناع ولا يستوفي المصنوع من تركته. ولو انعقد بيعاً ابتداءً وانتهاءً لكان لا يبطل بموته كما في بيع العين والسلم.

وقال محمد رحمه الله: إذا أتى به الصانع كان المستصنع بالخيار؛ لأنه اشترى شيئاً لم يره ولو انعقد إجارة ابتداء وانتهاء لم يكن له خيار الرؤية كما في الخياطة والصباغ،

<<  <  ج: ص:  >  >>