الناس، كما في الاستصناع، والحكم قد يتغير بتغير العصر والزمان، ويشترط مع ذلك أن يكون عالماً بلغة العرب؛ لأن القرآن والأخبار جاءت بلغتهم.
قال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: إذا كان يحفظ المنسوخ من أقوال المتقدمين له أن يجتهد.
قال: وإذا كان في البلد قوم من أهل الفقه شاورهم في ذلك؛ لأن القاضي لا يكون أفطن في نفسه من رسول الله عليه السلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالمشاورة، قال الله تعالى:{وشاورهم}(آل عمران: ١٥٩) وقال عليه السلام: «من العزم أن تستشير ذا رأي ثم تطيعه» ، وقال عليه السلام:«المستشير يصيب» أو قال: «كاد أن يصيب» . وشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، وعمر رضى الله عنهما في شيء، فسكتا مهابة منه فقال عليه السلام:«قولا فإني فيما لم يوح إلي مثلكما» . ولأن بالمشاورة تجتمع الآراء، وظهور الحق عند اجتماع الآراء أَبْيَنُ، ولهذا قيل: في المشاورة تلقيح العقول، فإذا شاورهم، واتفق رأيه ورأيهم على شيء، حكم به؛ لأنه لما اتفق رأيه ورأيهم صار ذلك كالإجماع، والإجماع من جملة الحجج، وإن وقع الاختلاف بين هؤلاء الذين شاورهم، نظر إلى أقرب الأقاويل عنده من الحق، وأمضى على ذلك باجتهاده، إذا كان من أهل الاجتهاد، ولا يعتبر في ذلك كبر السن، ألا ترى أن عمر رضي الله عنه كان شاور ابن عباس رضي الله عنهما، وكان يقول له:«غص يا غّواص» ، وكان يأخذ بقوله وعمر كان أكبر سناً منه، وكذلك لا يعتبر كثرة العدد، فالواحد قد يوفق للصواب ما لا يوفق الجماعة، ولأجل ذلك قبلنا شهادة الواحد على رؤية الهلال، إذا كانت السماء متغيمة، وينبغي أن يكون ههنا قول أبي حنيفة رحمه الله، أما على قول محمد رحمه الله يعتبر كثرة العدد على ما مر قبل هذا، وإن لم يقع اجتهاده على شيء، وبقيت الحادثة مختلفة ومشكلة عليه، كتب إلى فقهاء غير المصر الذي هو فيه، فالمشاورة بالكتاب سنة قديمة في الحوادث الشرعية.
وروي عن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما أنهما كانا يكتبان إلى عمر رضي الله عنه يستشيرانه، وعمر كان يكتب إلى ابن مسعود رضي الله عنه يستشيره، وكان ابن سماعة يكتب إلى محمد رحمه الله، وهذا لأن المشورة من الغائب بالكتاب بمنزلة المشورة من الحاضر بالخطاب، فإن اتفق الذين كتب إليهم القاضي على شيء ورأي القاضي يوافق رأيهم، وهو من أهل الرأي والاجتهاد، مضى ذلك برأيه، وإن اختلفوا أيضاً فيما بينهم نظر إلي أقرب الأقوال عنده من الحق، إذا كان من أهل الاجتهاد، وإن لم يكن القاضي من أهل الاجتهاد في هذه الصورة، وقد وقع الاختلاف