للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن أبا يوسف رحمه الله كان صاحب حديث، حتى روي عنه أنه قال: أحفظ عشرين ألف حديث من المنسوخ، وإذا كان هذا يحفظ هذا من المنسوخ، فما ظنك من الناسخ، وكان صاحب فقه ومعنى أيضاً.

ومحمد رحمه الله كان صاحب فقه ومعنى، وكان صاحب قريحة أيضاً، ولهذا قال في «المسائل» رجوعه وأبا حنيفة رحمه الله كان مقدماً في هذا كله إلا أنه قلّت روايته لمذهب يقول به، في باب الحديث: إنما يحل رواية الحديث لمن يحفظ من حين يسمع إلى أن يروي.

وإن اختلفوا فيما بينهم، قال عبد الله بن مبارك: يأخذ بقول أبي حنيفة لا محالة لأنه كان في زمن التابعين وزاحمهم في الفتوى، وقد شهد رسول الله عليه السلام بالخيرية فالظاهر أن يوفق للصواب، ما لا يوفق غيره، والمتأخرون من مشايخنا رحمهم الله اختلفوا وقالوا: إذا اجتمع اثنان منهم على شيء وفيهما أبو حنيفة رحمه الله، أنه يأخذ بقول أبي حنيفة رحمه الله، وإن كان أبو حنيفة من جانب وأبو يوسف ومحمد رحمها الله من جانب، فإن كان القاضي من أهل الاجتهاد يجتهد، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد يستفتي غيره، ويأخذ بقول المفتي بمنزلة العامي، وإن كان أبو حنيفة رحمه الله أعلى رتبة؛ لأنه قد يرزق الرجل الصواب، وإن كان غيره أعلى رتبة، فإن أدراك الصواب فضيلة يرزقه الله تعالى من عباده من يشاء وإن لم يكن من أهل الاجتهاد يأخذ بقول (٦٥ب٤) أبي حنيفة، ولا يترك مذهبه؛ لأنه أفقه عنده من غيره، فلا يترك متابعته.

وإن اختلف المتقدمون على قولين، ثم أجمع من بعدهم على أحد هذين القولين فهذا الإجماع، هل يرفع الخلاف المتقدم؟ فقد قيل على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، لا يرفع، وعلى قول محمد رحمه الله: أنه يرفع، وذكر الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أنه يرفع الخلاف المتقدم بلا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله، وإنما يخالف في ذلك بعض العلماء، على ما يأتي بيانه بعد هذا، إن شاء الله.

وإن اتفق أهل عصر على قول،.....، فخرج هذا القاضي عن قولهم، وقضى بخلاف قولهم لما رأى الصواب بخلافه، فإن كان قد سبق هذا الاتفاق، اختلاف العلماء، فقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: لا يسعه الخلاف. وبعضهم قالوا: يسعه. فإن لم يسبق هذا الاتفاق اختلاف لا يسعه الخلاف بالاتفاق، بقي الكلام بعد هذا في تفسير الاجتهاد، وفي أهلية الاجتهاد.

أما تفسيره فالاجتهاد بذل المجهود لطلب المقصود، وأما أهله: فأهل الاجتهاد من يكون عالماً بالكتاب، والسنة، والآثار، ووجوه الفقه، ويشترط مع ذلك، أن يكون صاحب قريحة يعرف عرف الناس، وعاداتهم، ومعاملاتهم، فالعرف قد يغلب على

<<  <  ج: ص:  >  >>