للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به في حق قصر يد الوكيل، ومن حيث إنه ليس بسبب لا يقضي به في حق إزالة ملك الغائب عملاً بهما.

وإذا كان المدعى عليهما شيئان والمدعى على الغائب سبب للمدعى على الحاضر باعتبار البقاء لا ينتصب فالقاضي لا يلتفت إلى دعوى المدعى، ولا يقضي ببينته لا على الحاضر ولا على الغائب.

بيان هذا رجل اشترى من آخر جارية، ثم إن المشتري ادعى أن البائع قد كان زوجها من فلان الغائب قبل أن أشتريها وقد اشتريتها ولم أعلم بذلك، وأنكر البائع دعواه، فأقام على ذلك بيّنة يريد رد الجارية لا تقبل هذه البينة لا على الحاضر ولا على الغائب لأن المدعى شيئان النكاح على الغائب والرد على الحاضر، والمدعى على الغائب من النكاح نفسه ليس بسبب لما يدعيه على الحاضر من غير اعتبار البقاء، فإن البائع لو زوجها ثم الزوج طلقها لا يكون للمشتري الرد، وإنما السبب بقاء النكاح إلى حالة الرد؛ ولم يقم البينة على البقاء، ولو أقام البينة على البقاء لا تقبل أيضاً ولا يقضي بالرد لأن البقاء تبع الابتداء (٢١٨أ١) فإذا لم يمكن أن يجعل خصماً في نفس النكاح لم يمكن أن يجعل خصماً في إثبات البقاء.

وبعد الوقوف على هذه الجملة جئنا إلى تخريج المسألة، فوجه قول أبي حنيفة رحمه الله أن المدعى على الحاضر والغائب شيئان، ونفس ما تدعي الحاضر على أختها الغائبة من النكاح من غير اعتبار البقاء لا يكون سبباً لما يدعي على الزوج من فساد نكاح نفسها، لأنه إذا كان طلّق الغائبة قبل نكاح الحاضرة يصح نكاح الحاضرة فلا تقبل بينة الحاضرة أصلاً، فإذا لم تُقبل بينة الحاضرة لم يثبت نكاح الغائبة، وحجة القضاء للزوج على الحاضرة موجودة وإنما يمتنع عملها لمانع مخصوص وهو نكاح الغائبة، فإذا لم يثبت نكاح الغائبة لم يمتنع عملها.

فإن قيل: أليس إن محمداً رحمه الله وضع المسألة فيما إذا شهدوا أنه زوجها قبل ذلك، وأنها اليوم امرأته وشهادتهم أنها اليوم امرأته ينافي نكاح الأخرى.

قلنا هذه الزيادة بناء على علمهم بابتداء النكاح، فصار وجود ذلك والعدم بمنزلة ولأنها إذا لم تصلح خصماً في إثبات أصل نكاح الغائبة لا تصلح خصماً في إثبات بقائه.

وجه قولهما ان القياس ما قاله أبو حنيفة رحمه الله، إلا أنا تركنا القياس هنا لنوع ضرورة؛ لأن الباب باب الفروج، فإن الحاضرة ادعت حرمة فرجها على الزوج بسبب فساد نكاحها، وقد يترك القياس في باب الفرج احتياطاً ما لا يترك لغيرها.

ثم في «الكتاب» يقول: إذا حضرت الغائبة وأقامت البينة على ما ادعت لها الحاضرة قضي بنكاحها بشرط إعادة البينة من الغائبة للقضاء بنكاحها، بعض مشايخنا قالوا: إذا حضرت الغائبة وصدقت شهود الحاضرة فيما شهدوا من نكاحها تثبت نكاحها ولا يحتاج إلى إعادة البينة، وقد حكي عن بعض مشايخنا أنه كان يقول: لا خلاف في هذه المسألة حقيقة؛ لأن أبا يوسف ومحمد رحمهما الله إنما قالا: لا يُقضى بنكاح

<<  <  ج: ص:  >  >>