للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجته على هذه الرواية قوله تعالى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} (المائدة: ٦) يعني من الصعيد ولأنه بناء على قوله: {فتيمموا صعيداً طيباً} (النساء: ٤٣) وكلمة «من» للتبعيض، فكأنه قال: ببعض الصعيد، ولأبي حنيفة رحمه الله أن قوله: {صعيداً طيباً} (النساء: ٤٣) يقتضي الجواز مطلقاً من غير فصل بين ما عليه غبار وما ليس عليه غبار، وكلمة «من» لتمييز الصعيد من غيره، فلا تجوز زيادة العبد به في صريح الآية، ولا يقال: بأن التمييز حصل في ابتداء الكلام لقوله: {فتيمموا صعيداً} بدون كلمة «من» لأنا نقول على هذا الاعتبار كلمة «من» لتأكيد التمييز، فتصير لتمييز الصعيد من غيره، ولا يقال بأن المسح يقتضي ممسوحاً سوى اليد، كما في مسح الرأس والخف، لأنا نقول: في هذا القياس إثبات زيادة القيد على المطلق، وأنه لا يجوز، والذي يؤيد قول أبي حنيفة رحمه الله، ما روي «أن رسول الله عليه السلام بال، فسلم عليه رجل فلم يرد عليه السلام، حتى كاد الرجل يتوارى لحيطان المدينة، فضرب يده على الحائط ورد عليه السلام» وحيطانهم كانت من الحجر فدل ذلك على جواز التيمم بالحجر على كل حال.

ويجوز التيمم بالآجر مدقوقاً أو غير مدقوق في قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن محمد؛ لأن الآجر طين مستحجر، والتيمم بالحجر الأصلي جائز عند أبي حنيفة رحمه الله، فكذا بالطين المستحجر، هكذا ذكر القدوري، وذكر الشيخ الإمام الزاهد أبو نصر الصفّار: أن في التيمم بالآجر عن أبي حنيفة روايتان: والأصح أنه يجوز، وفي رواية أخرى عن محمد لا بد وأن يكون مدقوقاً، أو يكون عليه غبار، فإن على إحدى الروايتين عن محمد: استعمال جزء من الصعيد شرط، وعند أبي حنيفة ذلك ليس بشرط.

ولو تيمم بغبار ثوبه أوغير ذلك، أجزأه في قول أبي حنيفة رحمه الله، وكان أبو يوسف يقول أولاً يتيمم بالغبار إذا لم يجد غيره ثم رجع وقال: الغبار عندي ليس من الصعيد، والصحيح قول أبي حنيفة لما روي: أن عمر رضي الله عنه كان مع أصحابه في سفر فمطروا..... فأمرهم بأن ينقضوا لبودهم وسروجهم ويتيمموا بغبارها، ولأن الغبار وإن قل من نفض ثوبه من التراب إلا أنه رقيق، فكما يجوز التيمم بالخشن من التراب فكذا برقيقه.

وصورة التيمم بالغبار: أن يضرب بيده ثوباً أو لبداً أو وسادة أو ما أشبه ذلك من الأعيان الطاهرة التي عليها غبار، فإذا وقع الغبار على يديه يتيمم، أو ينفض ثوبه حتى يرتفع غباره ويرفع يديه في الهواء، فإذا وقع الغبار على يديه تيمم، ولو كان في مفازة فهبت الريح، وارتفع الغبار فأصاب وجهه وذراعيه فمسحه (جاز) التيمم، أو تمعك في التراب بنية التيمم فأصاب التراب وجهه ويديه فقد ذكرنا هذا في أول هذا الفصل.

ولو تيمم بالملح، إن كان......... وإن كان جبلياً كالمكسة، بعض مشايخنا قالوا

<<  <  ج: ص:  >  >>