الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله يقول: لا بد وأن يسمع نفسه، وبه كان يفتي الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله، قال الكرخي رحمه الله في «كتابه» كلمة إن شاء الله إذا وصلت بالكلام ترفع حكمه، أي: يصرف (أياً) كان.
وحكي عن الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: إذا قال الرجل: نويت أن أصوم غداً إن شاء الله كانت نيته صحيحة، لو صام غداً بهذه النية يجوز استحساناً. وتخرج المسألة من وجهتين:
إحداهما: أن كلمة إن شاء الله في هذه الصورة تستعمل لطلب التوفيق عادة، ولا تستعمل للتعليق، حتى لو استعملها للتعليق لا تصح نيته أيضاً.
الثاني: أن الاستثناء عمل اللسان ويرفع حكم كل تصرف يختص باللسان نحوالطلاق والعتاق والبيع، والنية عمل القلب لا تعلق له باللسان، فلا يرفع الاستثناء حكمه.
وذكر في «الفتاوى» : المريض إذا قال لورثته: اعتقوا فلاناً عني بعد موتي إن شاء الله صح الإيصاء حتى يجب عليهم الإعتاق.
وتخريجه: أن هناك الاستثناء دخل في الأمر، والاستثناء يعمل في الإيجاب لا في الأوامر لعلة أن الإيجاب يقع لازماً فيحتاج فيه إلى الاستثناء حتى لا يلزمه حكمه، وأما الأوامر لا تقع لازمة، فإنه يمكن الرجوع فيها، فلا تقع الحاجة فيها إلى الاستثناء، وصار الحاصل أن كلمة إن شاء الله إذا دخلت على ما يختص باللسان وهو إيجاب يرفع حكمه، وإذا دخلت على ما لا يختص باللسان أو هو أمر، فليس بإيجاب إذا دخلت على الأمر يرفع حكمه.
وإذا قال لها: أنت طالق إن شاء الله، فهذا استثناء، وكذلك إذا قال: ما شاء الله فهو استثناء، وكذلك إذا قال: إلا إن شاء الله، ولو قدم الاستثناء فإن ذكر الطلاق بحرف الفاء بأن قال إن شاء الله فأنت طالق، فهذا استثناء صحيح.
وكذلك إذا قال: إن شاء الله قوله ... لله لا أدخل الدار، فهذا استثناء صحيح، لو دخلت الدار لا يحنث في يمينه. ألا ترى أنه لو ذكر مكان: إن شاء الله شرطاً آخر بأن قال مثلاً: إن دخلت الدار فأنت طالق كان تطليقاً صحيحاً. وإن ذكر الطلاق بدون حرف الفاء قال: إن شاء الله أنت طالق فهذا استثناء صحيح في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله: هذا استثناء منقطع، والطلاق واقع في القضاء ويدين فيها بينه وبين الله تعالى، وإن كان إرادته الاستثناء ذكر الخلاف على هذا الوجه.
وعن أبي يوسف رحمه الله إذا قال: إن شاء الله وأنت طالق فهذا استثناء. وعنه أيضاً: إنه ليس باستثناء. وعنه أيضاً: إذا قال: أنت طالق وإن شاء الله، أو قال: أنت طالق فإن شاء الله، فهذا ليس باستثناء.