إذا ثبت هذا فنقول: لو طلقت كلُّ واحدة منهما نفسها وصاحبتها وخرج الكلامان معاً طلقتا لاجتماعهما على تطليق كلُّ واحدة منهما، ولا ترثان؛ لأنّ كلّ واحدة منهما إنما تلتزم البدل بمقابلة طلاق نفسها، لا بمقابلة طلاق صاحبتها، والتزام البدل بمقابلة طلاق نفسها يكون رضاً منها بطلاقها، والرضا بالطلاق مقارناً للطلاق يوجب حرمان الإرث، بخلاف الفصل الثاني والثالث؛ لأنّ هناك الرضا لم يثبت باعتبار وجوب البدل. لو ثبت إنّما يثبت باعتبار أنّها ثابت بفعلها، وكلُّ واحدة ثابت بفعلها وفعل صاحبتها فلا يثبت الرضا من كلّ وجه.
وكذلك إذا خرج كلامهما على التعاقب لا يرثان أيضاً؛ لأنّ امتناع الإرث ها هنا بسبب الرضا الثابت مقتضى البدل، وفي حقّ هذا المعنى لا تفاوت بينهما إذا خرج الكلامان معاً أو على التعاقب. وإن طلقتا إحداهما جاز ولم ترث المطلقة تكلمتا معاً أو على التعاقب، وإن قامتا عن المجلس قبل أن قولا شيئاً ثمَّ طلقتا (٢٧٩ب١) أنفسها لم يقع شيء وورثتا.
قال في «الجامع الصغير» : إذا قال: طلقتك ثلاثاً في حجّتي، وانقضت عدّتك وصدّقته المرأة، ثمَّ أقرّ لها بدين أو أوصى لها بوصيّة فلها الأوّل من ذلك ومن الميراث. وقال أبو يوسف ومحمّد رحمهما الله: إقراره ووصيّته جائزة؛ لأن بتصادقهما ثبت الطلاق، وثبت انقضاء العدّة والتحقت هي بالأجنبيّات، ولهذا ثبت أحكام الأجنبيات في حقّها حتّى لو تزوّجت آخر يجوز، ويبطل حقّها في النفقة والسكنى، ويجوز وضع الزكاة فيها، وتقبل شهادته لها، والإقرار للأجنبي صحيح، والوصيّة له صحيحة.
ولأبي حنيفة رحمه الله: أنّه تمكنت التهمّة في هذا التصادق، وشبهة الظلم في هذه الوصية يجوز أنهما تصادقا على ذلك ليبطل الميراث، فيصحّ الإقرار والوصيّة فيزداد حقّها، والنكاح سبب التهمة، فيعتبر تصادفهما في حقّهما ولا يعتبر تصادقهما في حقّ غيرهما؛ لأنّ التهمة تتأتى في حقّ غيرهما.
إذا ثبت هذا فنقول: إذا كان الميراث أكثر من الوصيّة والمقرّ به فلا تهمة؛ إذ ليس فيه إبطال حقّ على الغير، فيعتبر تصادقهما فيه، وإذا كانت الوصية والمقرّ به أكثر ففي حقّ الزيادة تهمة، فلا يعتبر تصادقهما في حقّ الزيادة، وبدون تصديقها إيّاه لا يرتفع النكاح فيما يرجع إلى الطلاق حقّها في الإرث، فبقي الإرث، ومع بقاء الإرث لا يصحّ الإقرار والوصيّة، وأمّا ما ذكر من الأحكام قلنا: تلك الأحكام ثبتت بتصادقهما؛ لأنه لا تهمة فيها إذ ليس فيها ضرر على أحد بخلاف الإقرار والوصية.
فإن طلّقها في مرضه بأمرها ثمَّ أقرّ لها بدين أو أوصى لها بوصيّة فلها الأقلّ من الميراث ومن الوصية في قول علمائنا الثلاثة، وفي قول زفر: الإقرار والوصيّة لها جائز؛ لأنّ المانع من جوازهما الميراث، وقد بطل الميراث بسؤالها الطلاق، ولنا ما بيّنا من التهمة من حيث إنّه يجوز أنّها قصدت بالسؤال تصحيح الإقرار والوصيّة، فرددنا سؤالها لهذه التهمة، وأقيمت العدّة مقام النكاح في حقّ الحجر عن الوصية والإقرار، بخلاف المسألة