فحينئذ يصير مولياً استحساناً، وقلنا:(لا) بأنه يصير مولياً إلا بقربان إحداهما إن كان لا يلزمه الطلاق إلا أنه يقربه إلى الطلاق، وقبله كان لا يلزمه الطلاق بقربان الأخرى وحدها، وهذا نوع ضرر.
فإن قرب إحداهما في مسكنها بعد مضي شهر لم يقربهما فيه لم يحنث؛ لأنه نصف الشرط، وسقط الإيلاء عنها لوجود الملغي إليها بعد انعقاد الإيلاء، وبقي مولياً من الثانية لو تركها أربعة أشهر من غير قربان، بانت بالإيلاء، وإن قربها في الأربعة الأشهر بانت بالحنث.
إذا قال لامرأته: أنت طالق قبل أن أقربك، ولم يؤقت لذلك وقتاً مقدّراً طلقت ثلاثاً للحال. ولو قال: قبيل أن أقربك، لا تطلق ما لم يقربها؛ لأن قبيل الشيء ينبىء عن التداني والتقارب إلى ذلك الشيء.
وصار تقدير المسألة: أنت طالق قبل أن أقربك بوقت قريب من القربان فإنما يتصف الوقت بالقرب من القربان إذا وجد القربان، أما قبل الشيء لا ينبىء عن التداني والتقارب، وإنما ينبىء عن وقت مطلق، وليس من ضرورة اتصاف الوقت المطلق بالقَبْليَّة عن الشيء وجود ذلك الشيء بعده، كما في قوله تعالى:{فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا}(المجادلة: ٣) وكما في قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسّوهُنّ}(البقرة: ٢٣٧) وإذا لم يكن هذا شرطاً فقد وجد الوقت المضاف إليه الطلاق فيقع الطلاق. فهذا هو الفرق.
ولو آلى من امرأته المدخول بها ولم يقربها حتى مضت أربعة أشهر، وبانت منه بتطليقة ووجبت عليها العدة، ثم مضت أربعة أشهر أخرى، ولم يقربها وهي في العدة بانت ابتداءً طهرها لا تقع عليها تطليقة أخرى عند عامة المشايخ. وإليه مال الكرخي رحمه الله، وإليه أشار محمد رحمه الله في «الجامع» في باب اليمين في الإيلاء على إحداهما دون الأخرى. وقال بعض مشايخنا يقع عليها تطليقة أخرى. وأجمعوا على أنه لو تزوجها بعده بانت بمضي أربعة أشهر ثم مضت أربعة أشهر أخرى من غير قربان أنه يقع عليها تطليقة أخرى. وكذلك في الكرّة الثانية، وأجمعوا على أنها لو عادت إليه بعد الزوج الثاني ومضت أربعة أشهر من غير قربان أنه لا يقع عليها تطليقة أخرى.
وجه قول بعض المشايخ: أن بعد وقوع الطلاق بحكم الإيلاء، والإيلاء باقي، ألا ترى أنه لو تزوجها ثم مضت أربعة أشهر من غير قربان أنه يقع عليها تطليقة أخرى بحكم الإيلاء بالإجماع. فإذا مضت أربعة أشهر بعد ذلك فقد مضت مدة الإيلاء حال قيام الإيلاء، وأنه يوجب وقوع الطلاق لو لم يقع الطلاق.
وإنما لا يقع الطلاق لقيام البينونة في المحل إلا أن قيام البينونة لا يمنع وقوع الطلاق بحكم الإيلاء، ألا ترى أنه لو آلى منها ثم أبانها بتطليقة ثم مضت مدة الإيلاء وهي معتدة يقع عليها تطليقة بحكم الإيلاء.
وجه قول عامة المشايخ: أنها لما بانت بالإيلاء مرّة تحتاج إلى استئناف مدة الإيلاء عليها والمبانة ليست بمحل لابتداء الإيلاء فلا يكون محلاً لاستئناف المدة؛ لأن استثناء