فإن النجاسة تجمع في خفين كما تجمع في خف واحد متى كان في كل موضعين وكذلك الخرق في موضع العورة يجمع، والفرق أن في باب العورة المانع انكشاف العورة وقد وجد ذلك، وأما في باب النجاسة المانع هو النجاسة لأنها تنافي الطهارة، وإن كانت في مواضع متفرقة، فأما الخرق فما كان مانعاً لعينه، بل لكونه مانعاً تتابع المشي به، وهذا إنما يحصل إذا كان الخرق مقدار ثلاثة أصابع في خف واحد لا في خفين، وإن كان الخرق على الساق لا يمنع جواز المسح وإن كان أكثر من ثلاثة أصابع؛ لأن الخرق على الساق لا يكون أعلى حالاً من عدم الساق، ولو لم يكن للخف ساق وكان الكعب مستوراً يجوز المسح عليه فههنا أولى.
(نوع آخر) في بيان شرط جواز المسح على الخف
شرط جواز المسح على الخف أن يكون الحدث بعد اللبس طارئاً على طهارة كاملة، حتى إنه لو غسل رجليه أولاً ولبس الخفين ثم أحدث لم يجزه المسح، لأن الحدث ما طرأ على طهارة كاملة وسواء كملت الطهارة قبل اللبس أو بعده جاز المسح في الحالين عندنا حتى إنه لو غسل رجليه أولاً ولبس الخفين ثم أكمل وضوءه ثم أحدث جاز له المسح على الخف عندنا، وقال الشافعي: الشرط أن يدخلهما في الخف بعد إكمال الطهارة.
وثمرة الخلاف مع الشافعي لا تظهر في هذه المسألة، لأن عنده الترتيب في الوضوء شرط وقد عدم الترتيب ههنا، وإنما تظهر في مسألة أخرى، وهي:
ما إذا توضأ وغسل رجله اليمنى ولبس عليه الخف ثم غسل رجله اليسرى ولبس عليه الخف ثم أحدث وتوضأ وأراد المسح جاز المسح عندنا وعند الشافعي لا يجوز واعتبر بما لو أحدث بعد اللبس ثم أكمل الطهارة فإنه لا يجوز المسح هناك، ونحن فرقنا بينما إذا أكمل الطهارة قبل الحدث، وبينما إذا لم يكمل حتى أحدث، والفرق أن الخف جعل مانعاً سراية الحدث إلى الرجل لا رافعاً لحدث حل بالرجل، فإذا أكمل الطهارة قبل الحدث كان الخف مانعاً سراية الحدث من كل وجه ولم يكن رافعاً بوجه ما، لأن الحدث قد ارتفع عن الرجلين حقيقة لغسلهما، وحكماً لغسل ما بقي ولهذا جاز أداء الصلاة بتلك الطهارة فجاز المسح، فأما إذا أحدث قبل إكمال الطهارة كان الخف رافعاً الحدث من وجه لأن الحدث إن ارتفع عن القدمين حقيقة بغسلهما لم يرتفع حكماً، ولهذا لو أراد أن يصلي بتلك الطهارة لا يجوز فيكون الخف رافعاً لحدث كان قائماً فيه من وجه وإنه لا يجوز، ولهذا لا يمسح.
والنية ليست بشرط لجواز المسح على الخفين حتى إن من قال لغيره: علمني الوضوء والمسح على الخفين، فتوضأ ذلك الغير ومسح على الخفين وكان قصده التعلم جاز عندنا وهذا لأن المنصوص عليه المسح دون النية فاشتراط النية يكون زيادة على النص وإنه لا يجوز، ألا ترى أنه لا تشترط (٢٥ب١) النية لجواز مسح الرأس، وإنما لا تشترط لما قلنا.