بخلاف المفازة، وإن كان معها محرم لم تخرج عند أبي حنيفة رحمه الله في العدة، وقالا: تخرج، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله أولاً، وقول أبي حنيفة رحمه الله الآخر أظهر؛ لأن هذا موضع طمأنينة وقرار، وما يخاف عليها من الفساد إذا خرجت مع المحرم أعظم مما يخاف عليها إذا مكثت في هذا المصر بلا محرم؛ لأن المصر موضع أمن وغياث، الأصل فيه الأمن عن الفساد، فإن قصدها إنسان بفساد واستغاثت يلحقها الغوث، والمفازة موضع فساد وهو الغالب فيها، وإذا توجه إليها الفساد عسى يمكن للمحرم والركب دفع ذلك وعسى لا يمكن، فكان المكث أولى لها من الخروج بخلاف المفازة؛ لأن الخوف ثمة في المكث أكثر، ولهذا حل لها إنشاء السفر من غير محرم، وبخلاف ما إذا كان بينها وبين مصرها أقل من مسيرة سفر؛ لأن الفساد في مدة قليلة وفي طريق قصير يندر.
وأما إذا كان الطلاق رجعياً ينظر: إن طلقها في المفازة، وبينها وبين مصرها مسيرة سفر، وإلى مكانها مسيرة سفر تمضي مع الزوج أينما ذهب الزوج، وإن كان بينها وبين مصرها مسيرة ما دون سفر، وإلى مكانها مسيرة سفر كان لها الخيار، وإن كان بينها وبين مكانها مسيرة ما دون السفر رجعت إلى مكانها على كل حال.
نوع آخر في بيان ما تصدّق فيه المعتدة في انقضاء العدة
يجب أن يعلم بأن أول المدة التي تصدق الحرة في انقضاء العدة فيها شهران في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: تسعة وثلاثون يوماً؛ لأنها أمينة في الإخبار عما في رحمها، فيجب قبول قولها إن أخبرت بما هو محتمل، وما قالته محتمل بأن يكون الطلاق في آخر الطهر، وطهرها أقل الأطهار خمسة عشر يوماً، وحيضها أقل الحيض ثلاثة أيام، فيكون انقضاء عدتها بطهرين وذلك ثلاثون يوماً، وبثلاث حيض، وذلك تسعة، فجملته تسعة وثلاثون يوماً.
واختلف محمد والحسن بن زياد رحمهما الله في تخريج قول أبي حنيفة رحمه الله، فعلى ما ذكره محمد رحمه الله: يجعل كأن الطلاق كان في أول الطهر تحرزاً عن إيقاع الطلاق في الطهر بعد الجماع، ويجعل طهرها خمسة عشر يوماً، ويجعل حيضها خمسة إذ هي الوسط فتنقضي عدتها بثلاثة أطهار كل طهر خمسة عشر يوماً، وثلاث حيض كل حيض خمسة، فجملة ذلك ستون يوماً.
وعلى ما رواه الحسن عنه رحمه الله: يجعل كأن الطلاق كان في آخر الطهر تحرزاً عن تطويل العدة عليها، وطهرها خمسة عشر وحيضها عشرة؛ لأنه وجب تقدير الطهر بأقل الطهر نظراً للمرأة ووجب تقدير الحيض بأكثر الحيض نظراً للزوج، فتنقضي عدتها بطهرين كل طهر خمسة عشر وثلاث حيض كل حيض عشرة، فجملة ذلك ستون يوماً.
وأما الأمة فعلى قولهما تصدق في إحدى وعشرين يوماً؛ لأن عدتها تنقضي بحيضتين كل حيضة ثلاثة، وبطهر واحد، وذلك خمسة عشر، فجملة ذلك إحدى