فإن شهد نصرانيان على شهادة مسلمين أن النصراني أعتق العبد لا تقبل شهادتها؛ لأنهما يثبتان فعلاً على المسلم، وشهادة النصراني على ذلك لا تقبل.
ألا ترى أنه لو شهد نصرانيان أن قاضياً من قضاة المسلمين قضى لهذا النصراني على هذا النصراني فكذا فالقاضي لا يقبل شهادتهما، وإن كانا يشهدان للكافر على الكافر؛ لأنهما يثبتان فعلاً على المسلم أولاً وهو القاضي.
وإذا شهد أبناء العبد أن المولى أعتقه على مال أو بغير مال والمولى يجحد، والعبد يدعي لا تقبل شهادتهما؛ لأنهما يشهدان لأبيهما، ولو كان المولى يدعي العتق بالمال والعبد يجحد فشهد أبناء العبد تقبل شهادتهما؛ لأن العتق يثبت بإقرار المولى فلا حاجة إلى إثباته بالشهادة، وإنما الحاجة إلى إثبات المال، والشهادة بالمال شهادة على الأب، وإذا شهد أبناء العبد على المولى أنه قال: يوم يدخل أبوكما الدار فهو حر، وشهد آخران بالدخول لا تقبل شهادة الاثنين؛ لأن العتق يجب بالحلف فصارا شاهدين للأب بالعتق.
ولو شهد الأجنبيان باليمين وشهد أبناء العبد بالشرط لا تقبل شهادتهما أيضاً استحساناً؛ لأن العتق إن كان لا يثبت بالشرط يثبت عنده، فصارا في هذا الوجه كالشاهدين للأب.
وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر ادعى أحدهم أنه أعتق نصيبه على كذا، فقال العبد: أعتقتني بغير شيء، فشهد الشريكان أنه أعتقه على كذا فشهادتهما جائزة؛ لأن العتق قد ثبت بإقرار المولى المنازعة في المال وفيما يرجع إلى المال..... هذه شهادة منهما على عبدهما، وكذلك إن شهد آباء الشريكين أو أبناؤهما بذلك؛ لأنهما يشهدان على عبد أبويهما أو على عبد ابنيهما وكل ذلك جائز.
وإذا أعتق بعض الشركاء العبد وفي يد العبد أموال اكتسبها ولا يدرى متى اكتسبها، واختلف فيه الشركاء، والعبد قال: اكتسبته بعد العتق فالقول قوله؛ لأن الكسب حادث فيحال بحدوثهما على أقرب ما ظهر، وإنما ظهر الكسب للحال فيجعل القول قول من يدعي حدوثه في الحال، وهو العبد، ولأن العبد بعتق البعض صار مكاتباً حكماً عند أبي حنيفة رحمه الله فيعتبر بما لو كان مكاتباً حقيقة، والمكاتب الحقيقي فيما في هذه بمنزلة الحر والقول قول الحر فيما في يده أنه له عند منازعة غيره إياه كذا ها هنا.
وإذا كان العبد بين رجلين، شهد شاهدان على أحدهما أنه أقر أنه أعتقه وهو موسر فالقاضي يقضي بعتقه، وكان لشريكه أن يضمنه وكان ولاء العبد له، وإن جحد ذلك إلا أن القاضي لما قضى عليه بالعتق فقد كذبه في جحوده، فالتحق جحوده بالعدم. ولو شهدوا عليه أنه أقر أنه حر الأصل فالقاضي يقضي بحريته ولا ولاء له عليه وليس لشريكه أن يضمنه، بخلاف المسألة الأولى.
والفرق: أنا نعتبر إقراره الثابت بالبينة بالثابت معاينة، ولو عاينا إقراره بالإعتاق كان