أنه لا يجوز بيعه عند علمائنا رحمهم الله، وإنما لا نجوز بيعه؛ لأن التدبير المطلق انعقد سبباً للحرية للمال وإن تراخى حكمه إلى ما بعد الموت.
وبيان ذلك: أن العتق يثبت عند الموت، والمعتق لا بد له من الإعتاق لو لم يجعله إعتاقاً للحال يحتاج إلى جعله إعتاقاً بعد الموت، والإعتاق فعل والميت ليس من أهل الفعل، فمست الضرورة إلى جعله إعتاقاً للحال، وذلك لا يمكن إلا بجعل الشرط دليلاً على حكم السبب، ومتى جعل ذلك يبقى قوله: أنت حر بلا شرط، فينعقد سبباً للحرية وإن تراخى حكمه.
إذا ثبت هذا فنقول: انعقاد سبب الحرية حق الدبر، فلو جاز بيعه لبطل هذا الحق، وإنه لا يحوز. ولو قضى قاضٍ بجواز بيعه ينفذ؛ لأن المسألة مختلفة، والموضع موضع الاشتباه.
وأما التدبير المقيد فصورته: أن يقول الرجل لعبده: إن مت من مرضي هذا فأنت حر، أو يقول: إن مت من مرض كذا أو يقول: إن مت من..... كذا، فأنت حر، وله صور كثيرة تأتي بعد هذا.
والحاصل: أن المدبر المقيد من لا يكون عتقه معلقاً بمطلق موت المولى، وهذا التدبير لا يمنع جواز بيعه، ولكن إذ لم (يكن) يبعه ووجد الشرط يعتق.
وإذا قال لعبده أنت حر يوم أموت؛ إن لم ينو النهار دون الليل كان مدبراً مطلقاً، لأن اليوم إذا كان مضافاً إلى ما لا يتقيد بالنهار يكون عبارة عن مطلق الوقت، فكأنه قال: أنت حر وقت ما أموت. وإن نوى النهار دون الليل كان مدبراً مقيداً؛ لأن موته بالنهار قد يوجب وقد لا يوجد فكان بمنزلة ما لو قال: إن مت من مرضي هذا.
ولو قال لها: أنت حر بعد موتي وموت فلان، أو قال بعد موت فلان وموتي فهذا لا يكون مدبراً في الحال، لأن المدبر المطلق من تعلق عتقه بمطلق موت المولى وعتق هذا العبد ما تعلق بمطلق موت المولى، إنما تعلق بموته وموت فلان، فإن مات فلان أولاً والغلام في ملك المولى إلى أن يصير مدبراً مطلقاً؛ لأن بعد موت فلان يصير عتقه مطلقاً بمطلق موت المولى، فإن مات المولى قبل موت فلان لا يصير مدبراً، وكان للورثة أن يبيعوه؛ لأن بعد موت المولى يصير عتقه معلقاً بموت الأجنبي، فيعتبر بما لو علق عتقه بموت الأجنبي ابتداء، وهناك لا يصير مدبراً. وإذا مات المولى قبل الأجنبي يصير..... لورثته، كذا ها هنا..
ولو قال: إذا كلمت فلاناً فأنت حر بعد موتي فكلم فلاناً يصير مدبراً بناءً على ما قلنا.
وفي «المنتقى» : قال محمّد رحمه الله: عبد بين رجلين قال أحدها للعبد: إن مت أنا وفلان يعني شريكه * فأنت حر لم يكن مدبراً، وكذلك لو قال الآخر مثل ذلك فمات أحدهما صار العبد مدبراً من الآخر.