شئت ذلك بعد موتي، فقام عن مجلسه الذي علم بموت المولى فيه لم يبطل ما جعله إليه حتى يقول قد أبطلت الوصية والمشيئة في ذلك، وإن نهاه عن ذلك في حياته بطل.
وفي «الأصل» : لو قال له: أنت حر بعد موتي إن دخلت الدار، لا يصلح هذا التصرف عندنا أصلاً، بخلاف ما إذا قال: أنت حر بعد موتي إن شئت. والفرق أن في فصل المشيئة صححنا تصرفه بطريق الوصية، وتعليق الوصية (٣٣٣ب١) بالمشيئة صحيح، وتعذر تصحيح هذا التصرف بطريق الوصية لأن تعلق الوصية بدخول الموصى له الدار باطل.
وإذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي بيوم أو قال: شهر فهذا لا يكون مدبراً، وهذا التصرف إيصاء بالعتق، حتى لا يعتق بعد موت المولى بمضي يوم أو مضي شهر ما لم يعتقه الوصي، وإذا قال: أنت حر إن مت إلى مئتي سنة فهذا مدبر مقيد يجوز بيعه؛ لأنه يتصور أن لا يموت إلى مئتي سنة.
ولو قال لعبده: أنت مدبر على ألف درهم فقبل، فهو مدبر والمال ساقط. أما هو مدبر؛ لأن التدبير على المال شرط لزومه قبول المال كالعتق على المال شرط لزومه قبول المال، وأما المال ساقط؛ لأنه لو وجبت وجبت على المدبر، ولا يجب للمولى على المدبر شيء لأن المدبر ملكه بخلاف الإعتاق على المال لأن هناك المال يجب على المعتق.
وفي «المنتقى» بشر عن أبي يوسف رجل قال لعبده: أنت مدبر على الألف درهم، قال أبو حنيفة رحمه الله: القبول إليه بعد الموت، وللمولى أن يبيعه قبل الساعة، أوْ لم يقبل. فإذا مات وهو في ملكه.....، فإن قال قد قبلت أداء الألف، وعتق كأنه قال: أنت حر بعد موتي بالألف، وقال أبو يوسف: إن لم يقبل الساعة فليس له أن يقبل بعد ذلك، وإن قبل الساعة كان مدبراً وعليه ألف درهم إذا مات سيده، وإن لم يكن له مال غيره سعى في الأكثر من الألف ومن ثلثي القيمة وعتق المدبر يعتبر من ثلث المال مطلقاً كان أو مقيداً، وهو مذهب عليّ وسعيد بن المسيب وشريح والحسن وابن سيرين، وقد صح برواية ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام جعل المدبر من الثلث، وقوله: وعتق المدبر يعتبر من ثلث المال أراد به بعد الدين، حتى إذا كان على الميت دين مستغرق لماله أو قيمة المدبر فالمدبر يسعى في جميع قيمته للعرف؛ لأن عتقه بطريق الوصيه والوصية..... فيجب رد عتقه، وذلك بإيجاب السعاية عليه، وإن لم يكن على الميت دين فهو حر من ثلث ماله، حتى إذا لم يكن له مال آخر سوى المدبر يسعى في ثلثي قيمته مدبراً للورثة، فمعرفة قيمة المدبر يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.