يمكنه التسليم؛ لأنه جعل بدل الكتابة عبداً موصوفاً بصفة، وقد يكون عبدان على تلك الصفة ويتفاوتان في القيمة تفاوتاً فاحشاً، فالمولى يطالبه بأكثرها قيمة، وهو سلّم أدناهما قيمة بخلاف ما لو ذكر العبد مطلقاً لأن المستحق بهذا عبد وسط، فأما هاهنا المستحق عبد على الصفة التي ذكره المولى وعلى هذه الصفة يتفاوتان.
وجه الاستحسان: أن العبدين على الصفة الذي وصفه المولى إن كانا يتفاوتان في القيمة إلا أن المولى يجبر على قبول أقلهما قيمة كما في الوسط، فإن القيمة بين وسط ووسط مما يتفاوت، ولم يمنع ذلك جواز الكتابة لأن المولى يجبر على قبول أقلهما قيمة فكذلك هذا.
وإذا كاتب الرجل إلى الحصاد أو إلى الدياس، القياس أن لا يجوز، وفي الاستحسان يجوز. وجه القياس أن الجهالة دخلت في قدر الأجل فيعتبر بجهالة دخلت في قدر الرجل والبدل، والجهالة في قدر البدل يوجب الفساد قلّ أو أكثر بأن كاتبه على قيمته، فكذلك في قدر الأجل.
ودليله: ما لو كاتبه بألف درهم إلى وقت هبوب الريح، بخلاف ما لو كاتبه على وصف أو إشاره لأن الجهالة في الوصف لا في القدر.
وفي الاستحسان يجوز؛ لأن الجهالة وإن دخلت في قدر الأجل إلا أن حال الأجل أضعف من حال البدل؛ لأن البدل دين في باب العقد لا يجوز العقد بدونه. والأجل شرط زائد يجوز العقد بدونه فكان حال الأجل دون حال البدل، فقيل بأن الجهالة في قدر البدل يمنع حجة العقد قلّ أو كثر ليظهر مؤنة حاله والجهالة في قدر الأجل إن كان قليلاً لا يوجب الفساد ويكون بمنزلة جهالة يتمكن في صفة البدل، وإن كانت فاحشة كما في هبوب الريح يوجب الفساد، ويُعتبر بجهالة قدر يتمكن في البدل ليظهر نقصان حال الأجل من حال البدل.
وإن كاتب الرجل عبده على ألف درهم، وفي يد العبد ألف درهم أو أقلّ أو أكثر كانت الكتابة جائزة وكانت ينبغي أن لا يجوز إذا كان في يده أكثر (٣٣٩ب١) من ألف أو أقل لأنه ربا، ألا ترى أنه إذا اشترى منه ألفاً بألفين بعد الكتابة فإنه لا يجوز، وإنما لا يجوز لمكان الربا.
والفرق: أن حكم هذا الربا أخف من حكمه بعد الكتابة؛ لأن العقد هنا يوجد مع العبد فلا ربا بين المولى وبين العبد، وحكمه يقع هاهنا بعد الكتابة والربا يجري بين المولى ومكاتبه، فباعتبار العقد لا يكون هذا ربا، وباعتبار الحكم يكون ربا فكان ربا من وجه دون وجه، فيشبه هذا الوجه الاعتياض عن الأقل؛ لأن ذلك ربا عند بعض الفقهاء فليس بربا عند البعض فكان ربا من وجه دون وجه فجاز، فكذاكم بخلاف ما لو وجد هذا العقد بعد الكتابة لأنه ربا باعتبار العقد والحكم جميعاً، فكان ربا من وجه دون وجه ملحق بالعبد المأذون؛ لأن المكاتب بين الحر والعبد والله أعلم.