لأن عتق الولد ثبت من جهة المكاتبين، ولا يرث الابن من واحد من الأبوين؛ لأنه معتق البعض في حق كل واحد منهما وقت موته.
بيانه: ما ذكرنا أن نصف الولد تابع لهذا الأب والنصف الآخر تابع للأب الأخر فيستند عتق كل واحد نصف إلى عتق أصله لا إلى عتق الأصل الآخر لأن الاستيلاد من أحكام عقد الأصل، فإنها تظهر في مقدار ما هو تابع له (٣٤٧ب١) في العقد لا فيما ليس بتابع له وجعل فيما ليس بتابع له كأن عتقه مقصور على الحال، فهو معنى قولنا: إنه معتق البعض في حق كل واحد منهما وقت موته.
وكذلك إذا كان المكاتبان لرجل واحد كاتب كل واحد منهما بكتابة على حدة؛ لأن تبعية الولد المكاتب تكون في العقد، فيكون اختلاف العقدين بمنزلة اختلاف المنزلتين فأما إذا كان الرجل واحداً وقد كاتبهما كتابة واحدة، وباقي المسألة بحالها ورث الابن من كل واحد منهما؛ لأن العقد إذا كان واحداً كان يعقد بعتق كل واحد من الأبوين معلقاً بعتق الآخر لا يتصور عتق أحدهما إلا ومعه عتق الآخر، فاستند عتق كل واحد من الأبوين إلى ما استند إليه عتق صاحبه، وإذا استند العتق في كل واحد من الأبوين إلى حال حياتهما وظهر الاستناد في حق صاحبه يظهر استناد العتق في كل الولد في حق كل واحد من الأبوين ضرورة، فلم يحصل عتق كل واحد من الأبوين، والولد حر كله بعتقه يرث ويرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل عندنا خلافاً لزفز، فالمسألة معروفة.
قال: ولو كانا لرجلين أو لرجل واحد وبينهما ولد، ولد في حال كتابتهما من جارية مشتركة بينهما إلا أن كتابتهما مختلفة فقتلا معاً أو ماتا معاً أو على التعاقب وترك كل واحد منهما وفاء فأديت مكاتبة أحدهما أولاً ثم أديت مكاتبة الآخر، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: عتق الولد تبعاً للمكاتبين وولاؤه لمولى المكاتبين كما لو أديت مكاتبتهما معاً. وهذا لأن العتق عنده متجزىء، فإنما يعتق كل واحد منهما يعتق نصف الولد الذي هو تابع له لا غير وكذلك الجارية بعتق من جهة المكاتبين، وولاؤها لمولى المكاتبين ولا يرث الابن من واحد من الأبوين لما مر قبل هذا.
وأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: فالولد يعتق تبعاً للأب الذي أديت مكاتبته أولاً سواء كان هو الذي مات أولاً أو آخراً؛ لأن عندهما العتق لا يتجزأ، فإن أديت مكاتبة أحدهما أولاً وحكم بحريته وبحرية نصف الولد تبعاً له حكم بحرية النصف الآخر ضرورة عدم التجزأ فقد اعتبرنا حالة الأداء في هذه المسائل حتى قالا: إذا أديت كتابتهما معاً عتق الولد تبعاً للمكاتبين، وولاؤه لمولى المكاتبين ماتا معاً أو على التعاقب الولد تبعاً للمكاتبين، وإذا أديت كتابة أحدهما أولاً عتق الولد تبعاً للمكاتب الذي أديت كتابته أولاً، ماتا معاً أو على التعاقب وإنما فعلا هكذا؛ لأن العتق إنما يثبت عند الأداء لكونه معلقاً بالأداء فيجب النظر إلى حالة الأداء ولا يرث الابن واحداً من الأبوين لما ذكرنا أن استناد حرية كل نصف من الولد إنما يظهر في حق الأب الذي هو تابع له في ذلك النصف.