أولى لأن الكتابة أقبل للفسخ من النكاح، فإن النكاح (٣٤٩ب١) لا يفسخ إلا بقصور في ولاية العاقد، والكتابة تفسخ بتراجعها من غير قصور في ولاية العاقد وليس كما (لو) باع أحدهما نصيبه؛ لأنه ليس في بيع أحدهما نصيبه ضرر على صاحبه؛ لأن بسبب هذا البيع لا يبطل على صاحبه حق البيع في نصيبه حتى إن في (أي) موضع كان في بيع أحدهما نصيب ضرر لصاحبه كان لصاحبه حق فسخ بيعه، فإن الدار إذا كانت بين اثنين باع أحدهما نصف ثلث معلوم من رجل كان للآخر حق الفسخ حتى لا يتفرق نصيبه في الدار زيادة تفرق وليس كما لو أعتق أحدهما نصيبه أو دبره؛ لأن كل واحد منهما لا يقبل الفسخ وليس كما لو علق عتق نصيبه بأداء المال لأنه لا يحتمل الفسخ لأنه يمين.
ثم إن عامة المشايخ لم يشترطوا لصحة هذا الفسخ القضاء أو الرضا والشيخ الإمام نجم الدين النسفي رحمه الله في «شرح الشافي» : شرط القضاء أو الرضا وأشار إلى المعنى، فقال: لأنه تصرف في ملكه، فإن فسخ الساكت الكتابة عاد الأمر إلى ما كان قبل الكتابة وإن لم يفسخ حتى أداء العبد مكاتبته، فإنه يعتق نصيب المكاتب، واقتصر العتق على نصيبه عند أبي حنيفة رحمه الله، وللساكت خيارات ثلاثة إن كان المكاتب موسراً، وإن كان معسراً فله خيارات؛ لأن المكاتب صار معتقاً نصيبه عند الأداء، والحكم في عبد بين شريكين أعتق أحدهما نصيبه عند أبي حنيفة رحمه الله ما ذكرنا ثم يرجع الساكت على شريكه فيأخذ منه نصف ما أخذه من العبد، ويأخذ من العبد نصف ما بقي في يده من الكسب؛ لأن الكتابة لما اقتصرت على نصيب الساكت عند أبي حنيفة رحمه الله كان هذا كسب عند نصفه المكاتب ونصفه للساكت ثم يقع المكاتب عبداً على العبد بما أخذ منه الساكت.
فرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبين ما إذا كاتب ورجع الساكت على المكاتب وأخذ منه نصف ذلك، لا يكون للمكاتب أن يرجع على العبد بشيء؛ لأن هناك جعل البدل المسمى بإزاء كل العبد فكان بإزاء النصف نصف المسمى وقد سلم له النصف المسمى بكماله، أما ههنا جعل البدل مقابلة نصيبه، وصح ذلك عند أبي حنيفة لاقتصار الكتابة على نصيب عبده فصار جميع المسمى بإزاء نصيبه لا غير، فإذا استحق شيء منه كان له حق الرجوع بذلك القدر فهذا هو الفرق له.
جئنا إلى بيان مذهب أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: فنقول إذا أدى المكاتب بدل الكتابة عتق جميع العبد عندهما؛ لأن الإعتاق عندهما لا يتجزأ وكان للساكت حق تضمين المكاتب إن كان موسراً وحق استغناء العبد إن كان معسراً، ويرجع الساكت على المكاتب فيأخذ منه نصف ما أخذ من العبد ويأخذ أيضاً نصف ما بقي في يد العبد بعد أداء بدل الكتابة، وكان ينبغي أن لا يرجع على الساكت بشيء عندهما؛ لأن الكتابة عندهما لا تتجزأ فيصير الكل مكاتباً على المكاتب ويصير المكاتب مستهلكاً على الساكت نصيبه فيكون جميع المؤدى بسبب مكاتبته فينبغي أن يسلم له، ولكن الوجه في هذا أن يقال بأن نصيب الساكت لا يعتبر مملوكاً ومكاتباً للمكاتب في حق الساكت بل يعتبر مأذوناً له في التجارة.