من المولى نصف رقبته فيعتبر بما لو اشترى غيره، ولو اشترى نصف رقبته غيره أو أراد المشتري أن يسافر بالعبد فمنعه البائع كان له ذلك فكذلك هذا.
والمعنى في المسألة وهو الفرق بينما إذا منعه عن المسافرة وبينما إذا منعه من أجل الطلب والكسب، فإنه ليس له ذلك قياساً واستحساناً لأن في ذلك إبطال حق العبد في العتق بيقين، وليس في منعه من المسافرة إبطال حقه في العتق لا محالة لأنه يمكنه أداء بدل الكتابة باكتساب بدل الكتابة في المصر.
وجه الاستحسان: وهو أنه بالكتابة أثبت للعبد حق أن يعتق بإزاء بدل الكتابة، ولا يمكنه الأداء إلا بالاكتساب وربما لا يمكنه الاكتساب إلا بالمسافرة، فمتى أطلقنا له المنع من المسافرة وربما لا يمكنه أداء ما عليه في بدل الكتابة بدون المسافرة كان في ذلك إبطال حق على العبد عسى، وكما لا يكون للمولى إبطال ما ثبت له من الحق بالكتابة بيقين لا يكون له مباشرة ما يتوهم نسبة إبطال حق العبد عسى.
ثم إن محمداً رحمه الله ذكر القياس والاستحسان في المسألة في ثلاث مواضع:
أحدهما: في المسافرة.
والثاني: في الاستخدام إذا أراد المولى أن يستخدمه يوماً ويخليه للكسب يوماً والقياس: أن يكون له ذلك.
وفي الاستحسان لا يكون له ذلك.
والثالث: إذا أراد أن يستسعيه لنفسه يوماً ويخليه يوماً القياس أن يكون له ذلك.
وفي الاستحسان: لا يكون له ذلك.
وجه القياس في ذلك ما ذكرنا أن المكاتب في النصف بمنزلة المشتري نصف بعينه عند أبي حنيفة رحمه الله، ولو اشترى نصف رقبته مشترٍ آخر يثبت للبائع حق التهايؤ مع المشتري فكذلك ههنا، وهذا لأنه ليس في التهايؤ إبطال حق على العبد لأنهما متى تهايأا احتاج المكاتب إلى كسب المسمى ومتى لم يتهايأا احتاج إلى كسب ضعف المسمى ولا فرق في حق العبد بين أن يأخذ المولى نصف منفعته وبين أن يأخذ نصف كسبه، في الاستحسان لا يكون له حق المهايأة؛ وذلك لأن القول بثبوت المهايأة للمولى قد يصير سبباً لفوات حق العبد في نصف المنفعة وجعلنا المكسوب بين العبد والمولى نصفين لا يصير ذلك سبباً لإبطال حق المولى بغير عوض في نصف منفعة العبد لأنه يأخذ نصف الكسب مكان نصف المنفعة وبالمهايأة قد يبطل حق العبد.
بيان ذلك: أن الأسواق تكون رائجة في بعض فصول السنة، وكاسدة في بعض الفصول على هذا عادة الأسواق في حق كل تجارة وصناعة، فمتى لم يثبت للمولى حق المهايأة أمكن للعبد كسب ضعف المسمى في جميع السنة، وقد لا يمكنه كسب مثل المسمى في نصف السنة ومتى لم يمكنه كسب المسمى في نصف السنة يرد في الرق، فيفوت حق العبد عن العتق أصلاً بالمهايأة وفي القول بترك المهايأة لا يتوهم بنفي فوات حق المولى عند المنفعة بغير عوض أصلاً فكان النصر في الجانبين في ترك المهايأة وفي قسمة المكسوب وليس كما لو اشترى نصف العبد غير العبد، وذلك لأنه ليس في المهايأة