وذكر في هذه المسألة في «المنتقى» عن غير ذكر خلاف، وذكر أنه يأمر أن يعجل ثلثي قيمته والباقي إلى الأجل من قبل أنه لم يخرج من ملك المولى بعد.
قال ثمة: ولو قال كان أعتقه على هذا المال أمر بتعجيل ثلثي المال لأنه خرج من ملك المولى ووجب المال للمولى، ولو كان كاتبه على ألف درهم وقيمته ألفا درهم لا مال له غيره قيل له عجل ثلثي قيمتك وأنت حر وإلا رددناك في الرق، لأنه حاباه بنصف المال والمحاباة في مرض الميت وصية فلا تجوز إلا بقدر ثلث، فإذا استوجب للمحاباة الثلث لا يمكن تصحيح التأجيل في شيء، فلهذا يؤمر أن يعجل ثلثي قيمته أو يرد في الرق.
ولو كاتب عبده في صحته على ألف درهم وقيمته خمسمائة فلما حضره الموت أعتقه ثم مات ولم يقبض شيئاً، يسعى العبد في ثلثي قيمته وتبطل الكتابة، لأن مقدار قيمته مال المريض بيقين، فأما ما زاد عليه فغير متيقن أنه مال الميت، ألا ترى أنه يتمكن من أن يعجز نفسه فيعتبر الثلث والثلثان في القيمة، ولأن إعتاقه إياه إبطال للكتابة، لأن الإعتاق المبتدأ في حق المولى غير العتق بجهة الكتابة وإذا كان هذا إبطالاً للكتابة صار كأنه لم يكاتب جميع بدل الكتابة في مرضه، يسعى في ثلثي قيمته لما ذكرنا أن ماله بيقين قدر قيمته، فيعتبر الثلث والثلثان فيها.
قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا كاتبه في صحته ثم أعتقه في مرضه فهو بالخيار، إن شاء سعى في ثلثي قيمته، وإن شاء سعى في ثلثي ما عليه من بدل الكتابة، وإن المولى قد قبض منه قبل ذلك خمسمائة ثم أعتقه في مرضه يسعى في ثلثي قيمته ولم يحسب شيء فما أدى بالإعتاق المبتدأ بطلب الكتابة في حق المولى، فما قبض فهو كسب عبده فلا يكون محسوباً مما يلزمه من السعاية بسبب الإعتاق وهذا عندهما، وكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله إذا اختار فسخ الكتابة والسعاية في ثلثي قيمته.
وإن كان العبد بين رجلين مرض أحدهما وكاتبه الصحيح بإذنه جاز ذلك وليس للوارث إبطاله، لأنه قائم مقام مورثه وليس للمورث إبطاله فكذلك لوارثه، وكذا إن أذن له في القبض فقبض بعض بدل الكتابة ثم مات المريض لم يكن للوارث أن يأخذ منه شيئاً.
وفي «المنتقى» : مريض كاتب عبده وقيمته ألف درهم على خمسمائة ولا مال له غير العبد ثم مات، يقال للمكاتب: عجل ستمائة وستة وثلاثين والا رددناك في الرق، فإذا أدى خمسمائة وقبضها الوارث على الكتابة عتق بها المكاتب وصار الفضل ديناً عليه يؤخذ منه، وإن شاء الوارث أن لا يقبل الخمسمائة إلا من جميع ما للوارث عليه وذلك ستمائة وستة وستون وثلثان فله ذلك، ولا يعتق العبد في هذا الوجه إلا بأداء الجميع؛ لأنه لا يصير موفياً الخمسمائة التي هي مكاتبة إلا بأداء الجميع إذا جعلنا ما أدى من المالين جميعاً والله أعلم.
وإذا كاتب الرجل عبده في مرض موته بألف درهم وقيمته ألف درهم ولا مال له غيره، ثم أقر في مرضه أنه استوفى بدل الكتابة جاز إقراره من الثلث ويعتق المكاتب ويسعى في ثلثي قيمته.