الماء فات الأكل والشرب واليمين قائمة لأنها لم تنحل قبل ذلك، وكذلك يهلك الحالف بفوت الأكل واليمين قائمة لأن الأكل يفوت إذا وقع اليأس عن فعله في آخر جزء في آخر حياته، واليمين قائمة فيمكن القول بالحنث وإيجاب الكفارة.
وأما إذا وقت لذلك وقتاً بأن قال مثلاً: والله لآكلن هذا الطعام اليوم، والله لأشربن هذا الشراب اليوم، فالبر فيه إنما يكون بتحصيل الأكل والشرب في اليوم، (ويفوت) البر بمضي اليوم مع بقاء الطعام والشراب، وبقاء الحالف ولا يفوت البر بموت الحالف قبل مضي اليوم حتى لا يحنث في يمينه بالاتفاق، وهل يفوت البر بهلاك الطعام والشراب قبل مضي اليوم؟ أجمعوا على أنه لا يفوت قبل مضي اليوم، حتى لا يلزمه الكفارة قبل مضي اليوم، واختلفوا فيما إذا مضى اليوم. قال أبو يوسف يفوت وتجب الكفارة، وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: يفوت ولا تحب الكفارة.
وعلى هذا لاختلاف إذا قال: والله لأقضين حق فلان غداً فقضاه اليوم أو أبرأه الطالب اليوم، ثم جاء الغد فمضى فالمسألة على هذا الاختلاف. وعلى هذا الخلاف إذا حلف ليقضين حق فلان يوم الجمعة، أو قال: إن لم أدفع إليك حقك يوم الجمعة فكذا فمات فلان قبل يوم الجمعة بطلت اليمين عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.
وحاصل الخلاف راجع إلى حرف أن بهلاك المحلوف عليه قبل مضي اليوم أو بهلاك الحالف قبل مضي اليوم هل تنحل اليمين؟ عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تنحل لأن بهلاكها يفوت محل اليمين وهو محتمل للصدق والكذب فيحل اليمين عندهما خبر محتمل للصدق والكذب. ألا ترى أن عندهما لا ينعقد اليمين ابتداءً إذا لم يكن الخبر محتملاً للصدق حتى إن من حلف وقال: والله لأشربن الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه لا ينعقد اليمين عندهما، وإنما قلنا بأن هلاك الحالف أو المحلوف عليه يفوت الجزاء الذي هو محتمل للصدق لأن تحقيق الصدق فيما أخبر بعد هلاكها لا يتصور، وإذا انحلت اليمين هلاك أحدهما بشرط الحنث وهو عدم الأكل وجد واليمين منحلة فلا يقع الحنث، وعند أبي يوسف بهلاكها لا تنحل اليمين لأن بهلاكها قبل مضي اليوم لا يقوم محل اليمين عنده لأن محل اليمين عنده خبر في المستقبل وكونه محتملاً للصدق. فصل في الباب. ألا ترى أن كون الخبر في المستقبل محتملاً للصدق ليس بشرط لانعقاد اليمين ابتداءً حتى إن في مسألة الكوز ينعقد اليمين عنده، فكذا كون الخبر محتملاً للصدق لا يكون شرطاً لبقاء اليمين فيوجد شرط الحنث واليمين باقية فيقع الحنث.... الكلام إلى الابتداء.
وجه قول أبي يوسف: أن القدرة على تحقيق الصدق ليست بشرط لانعقاد اليمين استدلالاً بمسألة مس السماء وتحويل الحجر ذهباً فإن من حلف فقال: والله لأمسن السماء لأحولن الحجر ذهباً فإنه ينعقد يمينه، وكذلك إذا حلف ليقتلن فلاناً وفلان ميت