وذكر مسألة الشراء في موضع آخر، وذكر فيها القياس والاستحسان، وذكر القياس والاستحسان في مسألة الشراء، ذكر في مسألة البيع: ولو اشترى بميتةٍ أو دم لا يحنث، لأن الشراء مبادلة المال بالمال والميتة والدم ليسا بمال، وكذلك إذا حلف لا يبيع وباع بالميتة أو الدم لا يحنث لما ذكرنا، ولو حلف لا يشتري فاشترى مكاتباً أو مدبراً أو أم ولد لا يحنث في يمينهِ، وكان ينبغي أن يحنث، لأن يشتري هو لا يفيد الملك في الجملة بأن يجبر المكاتب ببيع نفسه، والقاضي يقضي بجواز بيع المدبر وأم الولد في رواية فيكون نظير البيع الفاسد، والبيع بشرط الخيار للمشتري، والبيع من الفضولي.
والجواب: السبب إنما ينعقد بصفة التمام إذا لم يكن في المحل ما ينافي الانعقاد كما في المسائل التي هو ذكرها، فإن في تلك المسائل ليس في المحل ما ينافي انعقاد البيع، لأن المحل مال متقوم من كل وجه فانعقد البيع بصفة التمام، وإن تراخى حكمهُ إلى القبض والإجازة هناك في ثبوت الحكم لا في إزالة المنافي عن السبب، وفي المكاتب والمدبر وأم الولد ما ينافي انعقاد السبب وهو الحرية من والوجه الذي يعبرُ عنها حق الحرية، فلم يكن الإنعقاد ثابتاً بصفة التمام إن سلَّمنا إن بيعهُ يجوز برضاه في إزالة المنافي عن السبب لا في إثبات الحكم وإذا وجدت الإجازة والقضاء زال المنافي عن السبب فينعقد بصفة التمام، ويقع الحنث حينئذ، أما قبل ذلك فلا يحنث، فإن قيل: أليس محمد رحمه الله ذكر في كتاب البيوع إذا جمع الرجل بين مدبر وقن في البيع، والبيع ينعقد في حق القن صحيحاً، ولو لم ينعقد العقد في حق المدبر لما انعقد العقد في حق القن، لأن بيع القن حينئذ يكون بيعاً بالحصة. قلنا: نحن لا ننكر انعقاد العقد في حق هؤلاء أصلاً، وإنما ننكر انعقاده في حقهم بصفة التمام، وهذا لأن امتناع العقد في حق المدبر سببٌ منافي وهو الحرية، والحريه في حقه ثابتةٌ من وجه دون وجه فكان المنافي قائماً من وجه دون وجه فيمتنع الانعقاد من وجه دون وجه، والانعقاد من وجه في حق المدبر يكفي للانعقاد في حق القن بصفة الصحة، لأن الانعقاد في حق القن حينئذ لا يكون بالحصة، هذا إن اشترى هذه الأشياء. ولو اشترى (٣٧٤١) شيئاً بهذه الأشياء، لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل.
وحكي عن بعض مشايخنا رحمهم الله أنه يحنث، كما لو اشترى بالخمر والخنزير، وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله في شرح كتاب المأذون: أن من حلف لا يبيع فباع المدبر لا يحنث في يمينه، علّل فقال: لأن بيعه غير منعقد. ولو اشترى عبداً من رجل قد علم المشتري أن العبد لغير البائع وأنه فضولي في البيع لم يأمره صاحب العبد به حنث في يمينهِ لوجود شرط الحنث وهو الشراء بصفة التمام. فإن الشراء من الفضولي منعقد بصفة التمام، إذ ليس في المحل ما ينافي انعقاده، وأنه يفيد الحكم في الجملة، فصار بمنزلة الشراء الفاسد. فإن كان عقد يمينه على المنافي بأن قالت: إن كنت اشتريت اليوم، أو قال: إن كنت بعت اليوم، وقد كان اشترى شراءً فاسداً، وباع بيعاً فاسداً يحنث في يمينه أيضاً. لأنه لما وقع الحنث بالفاسد والمستقبل، فلأن يقع الحنث في الماضي أولى.