إذا جعل اللبن جبناً أو أقِطَاً وأكل منه لا يحنث لما قلنا.
وكذلك إذا حلف لا يذوق من هذا الخمر فذاقه بعد ما صار خلاً لا يحنث، وكذلك لو حلف لا يأكل من هذه الحنطة فزرعها فأكل مما خرج منها لا يحنث، والمعنى في الكل ما ذكرنا.
وقال في «الجامع» : إذا حلف لا يأكل من هذه النخل شيئاً، فأكل التمر أو طلعها أو بسرها أو دبسها حنث؛ لأن عين النخلة غير مأكول فينصرف يمينه إلى ما يخرج منه مجازاً وأراد بالدبس ما يُسْتَلّ من الرطب وإن اتخذ من الدبس ناطفاً أو نبيذاً لا يحنث في يمينه، لأن يمينه انصرف إلى ما يخرج من النخلة، والنبيذ والناطف لم يخرجا من النخلة كذلك فلا يحنث بأكله. وكذلك إذا حلف لا يأكل من هذا الكرم شيئاً فأكل من عنبه أو زبيبه أو عصيره حنث في يمينه، لأن عين الكرم ليس بمأكول لأنه شجرة العنب فينصرف يمينه إلى ما يخرج منه، كما في النخلة. وهذه الأشياء خارج من النخلة. أمّا العنب والزبيب فظاهر، وأما العصير فلأنه ماء العنب إلا أنه كان متمكناً بالعصر، ولو أكل من خله لا يحنث لأنه ليس بخارج منه بهذه الصفة.
وإذا حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه يحنث، لأن الدقيق وإن كان مأكولاً بعينه إلا أنه لا يؤكل كذلك عادة، فينصرف يمينه إلى ما يتخذ منه مجازاً.
وفي «النوادر» : لو اتخذ منه أن يحنث، يكون كذلك وإن أكل عين الدقيق هذا، يحنث ولم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في شيء من الكتب. وقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: لا يحنث لأن المجاز وهو ما يتخذ منه صار مراداً فلا تبقى الحقيقة مرادة ولو كان حين حلف غيرته عين الدقيق لا يحنث، بأكل لأنه نوى غير ما يقتضيه حقيقة كلامه وظاهره، فيتقيد اليمين.
وإذا حلف أن لا يأكل من هذه الحنطة وهو ينوي أن لا يأكلها حبة حبة صحت نيّتُه حتى لو أكل من خبزها لا يحنث في يمينه، لأنه نوى حقيقة كلامه والعمل بالحقيقة ممكن لأن الحنطة مأكول عينها فتتقيد اليمين بالحقيقة، وإن نوى أن لا يأكل مما يتخذ منها صحت نيتُه أيضاً حتى لا يحنث بأكل عينها، وإن لم تكن له نيّة فأكل من خبزها لم يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يحنث، ولو أكل عينها يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله، وأمّا عندهما هل يحنث؟ أشار في أيمان «الأصل» : إلى أنه لا يحنث، فإنه قال: في «أيمان الأصل» : إذا أكل من خبزها حنث، إلا أن ينوي الخبز بعينه فإنما صرف يمينه إلى العين بالنية، فدلّ على أنه من غير النية ينصرف إلى الخبز.
وأشار في «الجامع الصغير» : إلى أنه يحنث فإن قال ثمة إذا حلف لا يأكل من هذه الحنطة فأكل من خبزها لا يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله. وإن قضمها حبة حبة حنث في يمينه، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يحنث إذا أكل من خبزها أيضاً، فهذه إشارة