يجب أن يعلم بأن قول الواحد العدل حجة في المعاملات استحساناً، والقياس: أن لا يكون حجة؛ لأن المعاملة من حقوق العباد؛ لأنها شرعت لمصالحهم، وما يكون من حقوق العباد لا يثبت بقول الواحد كإثبات الملك وإزالته وغير ذلك، لكن استحسنا ذلك بالآثار وبنوع من الضرورة.
أما الآثار: فمنها ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكّلَ عروة في شراء الأضحية فجاء عروة، وأخبر بالشراء، فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، ولم يكلفه إقامة البينة على ما أخبر، وروي أن سلمان الفارسي رضي الله عنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رطباً، فقال عليه السلام:«أصدقة أم هدية» ؟ فقال سلمان: لا بل هدية، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أصحابه، فقد صدق رسول الله عليه السلام سلمان فيما قال: هدية، حتى لم يحلفه عليه، وروي أن بريدة كان يتصدق عليها، وكانت تهدي ذلك إلى رسول الله عليه السلام؛ كان يصدقها فيما تقول وكان يقول:«هي لها صدقة ولنا هدية» ، وكان لا يكلفها إقامة البينة.
وأما الضرورة: وهو أن المعاملة لابد للناس منها، ويكثر وقوعها فيما بين الناس، ويتكرر في كل يوم مرة بعد أخرى، فلو أمر المخبر في كل معاملة يباشرها بإقامة البينة لضاق الأمر على الناس، واحتاج كل بائع أن يستصحب مع نفسه شاهدين عدلين أناء الليل والنهار حتى يشهدا أن المبيع ملك البائع، أو أن صاحب العين وكله ببيع هذا العين، وهذا مما لا يمكن أو فيه حرج، وما لا يدخل في إمكاننا، أو فيه حرج فهو موضوع، فلهذه الضرورة صار خبر الواحد حجة في المعاملات، إلا أنه يشترط أن يكون المخبر عدلاً؛ لأنه متى كان فاسقاً يتعارض في خبره دليل الصدق ودليل الكذب، فيقع الشك في زوال ما كان ثابتاً، والثابت لا يزول بالشك، ويجب أن لا ينازع فيما قال؛ لأنه متى نوزع يندفع خبره بخبر المنازع، فيبقى ما كان على ما كان، وإذا ثبت أن خبر الواحد العدل حجة في المعاملات إذا لم ينازع في خبره كالثابت معاينة، ولو ثبت ما أخبره معاينة إن أفاد إباحة المعاملة تثبت الإباحة بخبره، وإن لم تفد إباحة المعاملة؛ لا تثبت الإباحة بإخباره؛ لأن الخبر لا تربو درجته على المعاينة.
إذا عرفنا هذا فنقول: إذا كانت الجارية لرجل، فأخذها رجل آخر، وأراد أن