موسى عليه السلام:{واجعلوا بيوتكم قبلة}(يونس:٨٧) وقال عليه السلام: «لا تتخذوا بيوتكم قبوراً» ، وأراد به أن لا يكون فيه مكان الصلاة، فثبت أن كل مسلم مندوب إلى أن يعد في بيته مكاناً يصلي فيه؛ إلا أن هذا المكان لا يأخذ حكم المسجد على الإطلاق؛ لأنه باق على ملكه له أن يبيعه، فهو كما لو بال على سطح بيت فيه مصحف، وذلك لا يكره، فكذا ههنا.
والمجامعة والبول في الموضع المعد لصلاة الجنازة لا ذكر له في الكتب، وقد اختلف المشايخ فيه؛ بعضهم قالوا: يكره؛ لأنه موضع أعد لإقامة الصلاة فيه بجماعة، فيكره البول والمجامعة فيه، كما في الجامع والمساجد التي على قوارع الطرق عند الحياض، وبعضهم قالوا: لا يكره، وإليه مال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي، ألا ترى أنه لابأس بإدخال الميت، وقد أمرنا بتجنيب المساجد الموتى بخلاف الجامع؛ لأنه أعظم المساجد، والمساجد على القوارع لها حرمة المسجد على الإطلاق.
وفي «فتاوى أبي الليث» مصلى الجنازة له حكم المسجد في حق جواز الاقتداء عند انفصال الصفوف، وحرمة دخول الجنب فيه (٨٤أ٢) وبعض مشايخنا قالوا: الجواب في حق جواز الاقتداء صحيح، أما في حق دخول الجنب والمرتد فيه لا يعطى له حكم المسجد رفقاً بالناس.
قال: ويكره لأهل المسجد أن يغلقوا باب المسجد؛ لأن المسجد أعد لذكر الله تعالى فيه قال الله تعالى:{في بيوت أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه}(النور:٣٦) ، فإذا أغلقوا باب المسجد فقد منعوا عن الصلاة والذكر فيه، فدخلوا تحت قوله تعالى:{ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه}(البقرة:١١٤) قال مشايخنا: وهذا في زمانهم، أما في زماننا، فلا بأس بإغلاق أبواب المساجد في غير أوان الصلاة؛ لأنه لا يؤمن على متاع المسجد وبنائه وحصره من قبل السارق؛ لأن الغلبة في زماننا لأهل الفسق والحكم يختلف باختلاف أحوال الناس، ألا ترى أن النساء كن يحضرن الجماعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم منعن ذلك لفساد أحوال الناس، وهو الصواب كذا في مسألتنا.
وفي «الأجناس» : رجل بنى مسجداً في أرض غصب؛ لا بأس بالصلاة فيه، وفي «أمالي أبي يوسف» : لا ينبغي لأحد أن يصلي فيه، ولو جعله طريقاً لا يمر فيه، ولو بنى حانوتاً أو حماماً لا يستأجر الحمام والحانوت وله أن يدخل فيه لشراء المتاع.
الطريق إذا كان واسعاً، فبنى فيه أهل المسجد مسجداً للعامة، ولا يضر ذلك بالطريق، فلا بأس به، وإن أراد أهل المحلة أن يدخلوا في دورهم شيئاً من الطريق ولا يضر ذلك بالعامة ليس لهم ذلك، نص عليه في «العيون» . وفي «فتاوى أبي الليث:» مسجد بني على سور المدينة، فلا ينبغي أن يصلى فيه. علل الصدر الشهيد رحمه الله فقال:؛ لأن السور للعامة، فصار كما لو بنى مسجداً في أرض الغصب، وإنه يخالف ما حكيناه عن «الأجناس» .