من المصحف؛ ألا ترى أنه يدخل تحت بيع المصحف من غير ذكر، وإن مس المصحف بكمه أو ذيله لا يجوز عند بعض المشايخ؛ لأن ثيابه تبع لبدنه، ألا ترى أنه لو قام على النجاسة في الصلاة وفي رجليه نعلان أو جوربان لا تجوز صلاته، ولو فرش نعليه، وقام عليهما جاز، وعن هذا قالوا: إذا بسط الرجل كمه على النجاسة، وسجد عليه لا يجوز، وأكثر المشايخ على أنه لا يكره؛ لأن المحرم هو المس، وإنه اسم للمباشرة باليد من غير حائل، ألا ترى أن المرأة إذا وقعت في طين وردغة حل للرجل الأجنبي أن يأخذ بيدها من غير حائل ثوب، وكذا لا تثبت حرمة المصاهرة بالمس بحائل.
ويكره للجنب ومن بمنعاه مس كتب التفاسير، وكذا يكره مس كتب الفقه، وما هو من كتب الشريعة؛ لأنها لا تخلو عن آيات القرآن، أو إن لم يكن فيها آيات القرآن فيها معنى القرآن، والمشايخ المتأخرون توسعوا في مس كتب الفقه للمحدث بالحكم للضرورة والبلوى، وكره بعض مشايخنا دفع المصحف واللوح الذي عليه القرآن إلى الصبيان، وعامة المشايخ لم يروا به باساً؛ لأنهم غير مخاطبين بالوضوء، وفي التأخير تضييع حفظ القرآن.
وإذا صار المصحف خلقاً بحيث لا يقرأ منه لا يحرق؛ إليه أشار محمد رحمه الله في «السير» في باب ما يوجد من الغنيمة، فيكره قسمته، وبه نأخذ، ولا يكره دفنه، ومن أراد دفنه ينبغي أن يلفه بخرقة طاهرة، ويحفر لها حفرة ويلحد ولا يشق؛ لأنه متى شق ودفن يحتاج إلى إهالة التراب عليه، وفي ذلك نوع تحقير واستخفاف بكتاب الله تعالى، وإن شاء غسله بالماء حتى يذهب ما به، وإن شاء وضعه في موضع طاهر لا تصل إليه يد المحدثين، ولا تصل إليه النجاسة تعظيماً لكلام الله تعالى، تصغير المصحف حجماً وأن يكتب بقلم دقيق مكروه.
في كراهية «واقعات الناطفي» : ويكره مد الرجلين إلى القبلة في النوم وغيره عمداً، وكذلك يكره مد الرجلين إلى المصحف، وإلى كتب الفقه لما فيه من ترك تعظيم جهة القبلة، وكلام الله تعالى، ومعاني كلام الله تعالى، وإذا كان للرجل جوالق، وفيها مراسم مكتوب فيها شيء من القرآن، أو كان في الجوالق كتب الفقه، أو كتب التفسير أو المصحف، فجلس عليها أو نام، فإن كان من قصده الحفظ فلا بأس، وقد مر جنس هذا فيما تقدم، وإذا كتب اسم الله تعالى على كاغدة، ووضع تحت.... يجلسون عليها، فقد قيل: يكره، وقد قيل: لا يكره؛ قال: ألا ترى أنه لو وضع في البيت لا بأس بالنوم على سطحه؛ كذا ههنا، وإذا حمل المصحف أو شيء من كتب الشريعة على دابة في جوالق، وركب صاحب الجوالق على الجوالق؛ لا يكره.
ومما يتصل بهذا الفصل
المجاورة بمكة وقد كرهها أبو حنيفة رضي الله عنه؛ روى هشام عنه: أنه كره الجوار بمكة، قال:؛ لأنها ليست بأرض هجرة، وروى الحسن عنه: أنه كره الجوار بمكة