من اشتقاق القمر، إلا أن فيه تعليق تمليك المال بالخطر، وإنه لا يجوز، ألا ترى أن الاستباق فيما عدا هذه الأشياء الثلاثة نحو البغال والحمير لا يجوز، وإن كان المال مشروطاً من أحد الجانبين إنما لم يجز؛ لأن فيه تعليق تمليك المال بالخطر.
وجه الاستحسان: ما روينا من حديث أبي هريرة؛ ووجه الاستدلال به: أن النبي عليه السلام نفى السباق عاماً بقوله: «لا سبق» ، واستثنى الأشياء (الثلاثة) بقوله: «إلا في خف أو نصل أو حافر» ، والاستثناء من النفي إثبات، ومن التحريم إباحة، وليس المراد من الحديث ما إذا لم يكن المال مشروطاً أصلاً، فإن الاستباق بدون شرط المال جائز في الأشياء كلها، وليس المراد ما إذا كان المال مشروطاً من الجانبين؛ لأن ذلك قمار، والقمار حرام بالإجماع وبنص التنزيل، فكان المراد ما إذا كان المال مشروطاً من أحد الجانبين، والنص الوارد في الأشياء الثلاثة إذا كان مشروطاً من أحد الجانبين لا يكون وارداً فيما عدا الأشياء الثلاثة؛ لأن فيما عدا الأشياء الثلاثة نص آخر بخلافه، وهو قوله:«لا سبق» نفى السبق عاماً، واستثنى الأشياء الثلاثة ففيما عدا الأشياء الثلاثة ينتفي السبق بالنفي العام، ولأن الأشياء الثلاثة من آلات الحراب، وللناس إلى المخاطرة والرهان (في) حاجة حتى يتعلموا الفروسية والرمي، فأما ما عدا الأشياء الثلاثة فليس من آلات الحراب، ولا حاجة إلى الرهان في ذلك، وكذلك النص الوارد في الأشياء الثلاثة إذا كان المال مشروطاً من أحد الجانبين لا يعتبر وارداً فيما إذا كان المال مشروطاً من الجانبين، فالمانع فيه شيئان: القمار، وتمليك المال بالخطر، وإذا كان المال مشروطاً من أحد الجانبين، فالمانع فيه شيء واحد، وهو تمليك المال بالخطر، والجواز عند قلة المانع لا يدل على الجواز عند كثرة المانع.
ثم إذا كان المال مشروطاً من الجانبين، فأدخلا بينهما ثالثاً، وقالا للثالث: إن سبقتنا فالمالان، وإن سبقناك فلا شيء لنا، يجوز استحساناً لانتفاء معنى القمار في حق الثالث، وهو مروي عن سعيد بن المسيب.
ثم إذا أدخلا ثالثاً، فإن سبقهما الثالث استحق المالين، وإن سبقا الثالث إن سبقاه معاً فلا شيء لواحد منهما على صاحبه؛ لانعدام شرط وجوب المال فيما بينهما، وهو سبق أحدهما على صاحبه، وإن سبقاه على التعاقب، فالذي سبق صاحبه يستحق المال على صاحبه لوجود الشرط في حقه، وصاحبه لا يستحق المال عليه، لانعدام الشرط في حق صاحبه.
قال محمد رحمه الله في «الكتاب» : إدخال الثالث إنما يكون حيلة للجواز إذا كان الثالث يتوهم أن يكون سابقاً ومسبوقاً، فأما إذا كان يتيقن بأنه يسبقهما لا محالة، أو يتيقن أنه يصير مسبوقاً لا يجوز؛ لأن القياس أن لا يجوز، وإن انتفى معنى القمار في حقه لما فيه من تعليق تمليك المال بالخطر؛ إلا أنا جوزناه بخلاف القياس بالنص، وهو ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال:«من أدخل فرساً بين فرسين، فإن كان يأمن أن يسبق، فلا خير فيه، وإن كان لا يأمن أن يسبق، فلا بأس به» ، فالحديث أفاد الجواز