فأما التمويه: وهو أن يجعل الدهن ماء بحيث لا يخلعن بعد ذلك لا بأس به بالإجماع، فحدَّ بها العمومات الواردة بالنهي عن استعمال الذهب والفضة، ومن استعمل إناءً كان مستعمل جزء منه فكره؛ وهذا لأن الحرمة في استعمال الذهب والفضة في الإناء وغيره؛ إنما كان لما فيه من التشبه بالأكاسرة والجبابرة، فكل ما كان بهذا المعنى يكره بخلاف خاتم الفضة للرجال، وحلية السيف والمنطقة حيث لا يكره؛ لأن الرخصة جاءت في ذلك نصاً، أما ههنا بخلافه.
ولأبي حنيفة رضي الله عنه حرفان:
أحدهما: أن الأصل في المخلوقات إباحة الانتفاع بها، والحرمة لعارض، والنص ورد في تحريم الشرب والأكل في آنية الذهب والفضة، فكل ما يشبه المنصوص عليه في الاستعمال يلحق بالمنصوص عليه، وما لا يشبه المنصوص عليه (٩٠أ٢) يبقى على أصل الإباحة، وهناك يتصل الذهب والفضة بيده، وههنا لا يتصل بيده، فلم يكن نظير المنصوص عليه في الاستعمال، فالحاصل أن أبا حنيفة على هذا الوجه اعتبر حرمة الاستعمال فيما يتصل بيده صورة.
والثاني: أن هذا مانع فلا يكره، كالجبة المكفوفة بالحرير، والعلم في الثوب، وقياساً على الشرب من يده وعلى خنصره خاتم فضة، فإن ذلك لا يكره، وقد قال بعض مشايخنا في الشرب من الفضة الصبة، والصبة الذهب العريض أو الفضة العريضة تجعل على وجه الباب، وما أشبه ذلك أن الصفات على القصعة إذا كانت لتقوم القصعة بها لا للزينة لا بأس بوضع الفم على الصاب، وإن كانت الصاب لأجل الزينة لا لتقوم القصعة بها كره وضع الفم على الصاب.
وهذا القائل يستدل بمسألة ذكرها محمد في «السير» في باب الأنفال.
وصورتها: إذا قال الأمير للخيل: من أصاب ذهباً أو فضة فهو له، فأصاب رجل قصعة مصببة بالذهب أو الفضة، أو قدراً مصبباً، فإن كانت الصباب لزينة القصعة لا لتقوم القصعة بها كانت الصباب للمنفل له، وإن كانت الصباب لتقوم القصعة بها بحيث لو نزعت الصباب فتبقى القصعة متقومة لم يكن الصباب للمنفل له، ولأن الصباب إذا كانت لتقوم القصعة بها يعتبر من أجزاء القصعة غير الذهب والفضة معنى، ألا ترى أنه لا تجعل الصباب في هذه الصورة للمنفل له، وإنما تجعل؛ لأنها غير الذهب والفضة معنى كذا ههنا، فيجوز وضع الفم عليها.
ثم فرق بين التختم بالذهب وبالفضة فإنه حلال، وبين الجلوس على كرسي الفضة فإنه حرام.
والفرق: أنه لا بد من إطلاق القليل في الدنيا ليصير نموذجاً لما وعد الله تعالى في الآخرة لمن آمن وعمل صالحاً، ولا يطلق على وجه يصير مقصوداً، والحرير والديباج لباس أهل الجنة، قال الله تعالى:{ولباسهم فيها حرير}(الحج:٢٣) فيجب إطلاق القليل