وفيه أيضاً: إبراهيم عن محمد غصب من آخر دراهم، واشترى بها دنانير؛ قال: لا يسعه أن ينفق الدنانير؛ لأن الدراهم إذا استحقت بعدما افترقا انتقض البيع في الدنانير، فإن قضى على غاصب الدراهم بمثلها حلت له الدنانير.
اشترى بدراهم مغصوبة أو بدراهم اكتسبها من الحرام شيئاً، فهذا على وجوه؛ أما إن دفع إلى البائع تلك الدراهم، أولاً، ثم اشترى منه بتلك الدراهم. أو اشترى قبل الدفع بتلك الدراهم، ودفعها أو اشترى قبل الدفع بتلك الدراهم، ودفع غير تلك الدراهم، أو اشترى مطلقاً، ودفع تلك الدراهم، أو اشترى بدراهم أخر، ودفع تلك الدراهم، وفي الوجوه كلها لا يطيب له التناول قبل ضمان الدراهم، وبعد الضمان لا يطيب له الربح؛ هكذا ذكر في «الجامع الصغير» قال أبو الحسن الكرخي: هذا الجواب صحيح في الوجه الأول والثاني، وأما في الوجه الثالث والرابع والخامس فلا، واليوم الفتوى على قول أبي الحسن لكثرة الحرام دفعاً للحرج عن الناس، وعلى هذا تقرر رأي الشيخ الإمام الأجل الشهيد.
ذكر في الباب الأول من شرح «الواقعات» نهر مغصوب، جاء إنسان وأراد الغوص أو الشرب منه إن حول الغاصب النهر عن موضعه يكره؛ لأنه انتفاع بملك الغير، وصار كالصلاة في الأرض المغصوبة، وإن لم يحول لا يكره؛ لأن الناس شركاء في الماء.
رجل غصب طاحونة، وأجرى ماءها في أرض غيره من غير طيب من نفس صاحب الأرض؛ لا يحل للمسلمين الانتفاع بهذه الطاحونة إذا علموا بذلك؛ لا شراء ولا إجارة ولا طحناً بأجر ولا عارية؛ لأنه استعمال لملك الغير.
الأكل من أرض الجور، يريد به أرض المملكة، وهي الأض يطيب نصيب الأكل، ولهم إذا أخذوا مزارعة، وإجارة؛ لأنهم ملكوه، وفي الكروم والأشجار إن كان يعرف أربابها لا يطيب للإكراه ولا لغيره؛ لأنه بملك الغير، وإن لم يعرفوا طاب للإكراه نصيبهم؛ لأن التدبير في معاملته إلى السلطان، وصار بمنزلة أرض بيت المال، أما نصيب بيت المال ينبغي للسلطان أن يتصدق به، فإن لم يفعل فلا إثم عليه؛ هذا الذي ذكرنا طريق الحكم، أما طريق الاحتياط، ما روى خلف بن أيوب: أنه كان لا يأكل من طعام بلخ إلا وقت تباح له الميتة وكان لا يملك مدر الشيخ؛ لأن السلطان أخذ ضياع علي بن عيسى لنفسه؛ لكن في هذا الزمان الاختيار عن هذه الشبهات قدر ما يمكن حتى روي عن علي بن إبراهيم أنه سئل عن هذه الشبهات، فقال: ليس هذا زمان الشبهات؛ اتق الحرام عياناً بمعنى إن اجتنبت عن غير الحرام كفاك، وذكر بعد هذا أن الشبهة إلى الحرام أقرب، قيل هكذا قال أبو يوسف؛ لأنه لو لم يكن حقيقة يجعل كذلك احتياطاً، وأما المكروه: تكلموا، والمختار ما قاله أبو حنيفة، وأبو يوسف: إنه إلى الحرام أقرب، وقد روي عن محمد نصاً أن كل مكروه حرام ما لم يقم الدليل بخلافه.