للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلم من العمل صحت الإجارة على ما عرف، فإن أخذ العبد الأجر، وأخذ الغاصب الأجر منه وأتلفه لا ضمان عليه عند أبي حنيفة رضي الله، وقالا: يجب عليه الضمان، وإن كان الأجر قائماً كان للمالك أخذه بالإجماع، هما يقولان: إنه أتلف مال الغير وهو مولى العبد؛ لأنه كسب عبده، وكسب العبد تبع لرقبته فيكون لمالك الرقبة؛ ولأبي حنيفة رحمه الله: أن الكسب مال المالك؛ لكنه لا عصمة لها في حق الغاصب بعد الغصب، فأشبه صاحب السرقة بعد القطع، وبيان عدم العصمة أن العصمة ثبتت بيد حافظة؛ إما بنفسه أو بيد ثانية، ويد المالك لم تثبت على هذا المال، ويد الغاصب ليس يد المالك.

فإن قيل: يد العبد يد المولى، والكسب في يد العبد، فيصير كأنه في يد المولى؛ قلنا: العبد في يد الغاصب حتى كان مضموناً عليه، وإذا كان العبد في يد الغاصب لم يكن العبد محرزاً وحافظاً نفسه عن الغاصب، فلا يكون محرزاً وحافظاً ما في يده أيضاً.

والجواب أن الإمساك قد يتحقق من الغاصب، ولا يكون سبب خرقه، فإن كان قبل المد، ويكون سبب خرقه بأن كان في حال المد، فكان الإمساك في نفسه سبب الخرق من وجه دون وجه، فاعتبر سبب الخرق إذا كان مد المالك مداً يمد مثله، وأضيف الخرق إلى المد، والإمساك جميعاً، ولم يعتبر سبب الخرق إذا كان مداً لا يمد مثله، وأضيف الخرق إلى المد وحده بخلاف المد حيث يضاف الخرق إليه؛ لأن المد سبب الخرق على كل حال، وقيل: الإمساك إنما لا يحصل الخرق؛ لأن المد لا يؤخذ؛ لأن بدون الإمساك يكون أخذاً، ولا يكون مداً، وإذا كان المد متى تحقق بسبب خرق على كل حال، والإمساك سبب الخرق في حال دون حال أضيف الخرق إلى المد على كل حال دون حال، وأضيف الخرق إلى الإمساك في حال دون حال.

ونظير هذا الممسك: الثوب إذا كان (على) صاحب الثوب جاء آخر ومد الثوب مداً (يمد) مثله أو مداً لا يمد مثله ليبديه كان الضمان على الماد، وأضيف الخرق كله إلى المد دون الإمساك، وطريقه ما قلنا.

ذكر شيخ الإسلام في شرح «السير» في باب قصور الغنائم؛ قال مشايخنا: الغاصب إذا ندم على ما صنع، ولم يظفر بالمغصوب منه يمسك المغصوب إلى أن ينقطع مجيء صاحبه، فإذا انقطع طمعه في مجيء صاحبه، يتصدق إن شاء بشرط أن يضمن متى لم يجز صاحبه صدقته؛ قال: والأحسن أن يرفع ذلك إلى الإمام؛ لأن الإمام لتدبيره رأي في أموال الغيب، فالأحسن أن لا يقطع عليه رأيه.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : رجل غصب عبداً أو أجر العبد نفسه، وسلم من العمل صحت الإجارة على ما عرف، فإن أخذ العبد الأجر، وأخذ الغاصب الأجر منه وأتلفه لا ضمان عليه عند أبي حنيفة رضي الله، وقالا: يجب عليه الضمان، وإن كان الأجر قائماً كان للمالك أخذه بالإجماع، هما يقولان: إنه أتلف مال الغير وهو مولى العبد؛ لأنه كسب عبده، وكسب العبد تبع لرقبته فيكون لمالك الرقبة؛ ولأبي حنيفة رحمه الله: أن الكسب مال المالك؛ لكنه لا عصمة لها في حق الغاصب بعد الغصب، فأشبه صاحب السرقة بعد القطع، وبيان عدم العصمة أن العصمة ثبتت بيد حافظة؛ إما بنفسه أو بيد ثانية، ويد المالك لم تثبت على هذا المال، ويد الغاصب ليس يد المالك.

فإن قيل: يد العبد يد المولى، والكسب في يد العبد، فيصير كأنه في يد المولى؛ قلنا: العبد في يد الغاصب حتى كان مضموناً عليه، وإذا كان العبد في يد الغاصب لم يكن العبد محرزاً وحافظاً نفسه عن الغاصب، فلا يكون محرزاً وحافظاً ما في يده أيضاً.

وكذلك قلنا: إن كسب المبيع قبل القبض غير مضمون على البائع بالاتفاق، فكذلك هذا، أو نقول هذا مال الغاصب فيه تأويل الملك، ولا يكون مضموناً عليه، بالإتلاف كمال الابن في حق الأب.

بيانه: أن العبد إذا هلك في يد الغاصب وضمن رقبته للمالك فالأحر يسلم للغاصب أو نقول الأجر بدل منفعة العبد، ولو استهلك الغاصب منفعة العبد بأن استعمله في محل من الأعمال لا يضمن، فكذا إذا استهلك بدلها.

قال في «الجامع الكبير» : رجل غصب من آخر جارية قيمتها ألف درهم غصب من الغاصب رجل وقيمتها يوم الغصب الثاني أيضاً ألف درهم، فأبقت من الغاصب فللأول أن يضمن الثاني قيمتها، وإن لم يضمن المالك الأول؛ لأن القيمة قائمة مقام العين، ولو كانت الجارية حاضرة، وكان للغاصب الأول أن يسترد الجارية للتمكن من إقامة الفعل الواجب عليه، وهو الرد، فكذلك ما يقوم مقام العين، وهو القيمة.

ألا ترى قوله عليه السلام: «ما أخذت حتى ترد» ، والغاصب الثاني إنما أخذها من الغاصب الأول، فوجب عليه الرد على الغاصب الأول، فإذا عجز عن رد العين، وجب رد القيمة التي هي قائمة مقام العين، فإذا أخذ الغاصب الأول القيمة برىء الثاني عن الضمان؛ لأن الثاني برد الجارية على الأول (١٢٤أ٢) برىء من الضمان، فكذا إذا رد القيمة، تكون القيمة قائمة مقام العين، وتكون القيمة المأخوذة من الثاني مضمونة على الغاصب الأول؛ حتى لو هلكت في يد الغاصب الأول كان للمغصوب منه أن يضمنه قيمتها بالغصب؛ لأن الغاصب الأول لو أخذ الجارية لم تكن أمانة في يده، فكذلك إذا أخذ القيمة، فإذا حضر المالك كان له الخيار؛ إن شاء أخذ من الغاصب الأول القيمة التي أخذها من الغاصب الثاني، وتصير الجارية مملوكة للغاصب الثاني، وإن شاء ضمن

<<  <  ج: ص:  >  >>