للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستأجر قابضاً له (١٢٤ب٢) بحكم الإجارة بنفس العقد؛ لأن يد الغاصب يد ضمان بقيمة المضمون، ومثل هذا القبض ينوب عن قبض الشراء؛ فأولى أن يقع عن قبض الإجارة، ويبرأ الغاصب من الضمان؛ لأن يد الغاصب بدلت بيد الإجارة، ويد الإجارة يد أمانة، وضمان الغصب مما يحتمل البطلان.

ألا ترى أن المغصوب منه لو أبرأ الغاصب عن الضمان يبرأ، فكذلك إذا أبدلت يد الغصب بيد الأمانة، فإن مات العبد في يد الإجارة مات أمانة لما مر، ويجب على الغاصب الأجر بقدر ما مضى من مدة الإجارة، ويسقط الباقي؛ لأن فيما مضى وجه تسليم المنافع إلى المستأجر بحكم إجارة صحيحة، فإن مضت مدة الإجارة والعبد حي لم يعد مضموناً؛ لأن يد الغصب بدلت بيد الأمانة، فلا يعود إلا بغصب جديد.h

وهو الفقه: وهو أن الغصب تفويت يد المالك على وجه التعدي، وبالإجارة فات معنى التعدي، وبمضي مدة الإجارة لا يعود معنى التعدي؛ فلا يعود حكم الغصب.

ولو أن المغصوب منه أعار العبد من الغاصب صح؛ لأنه إذا آجره منه يصح، فإذا أعاره منه أولى أن يصح، ولا يصير قابضاً له بحكم العارية بنفس العارية بخلاف الإجارة، والفرق: وهو أن الإجارة أوجبت استحقاق المنافع للمستأجر، فيوجب استحقاق اليد تسليماً للمستحق، ويد الغاصب تصلح نائبة عن يد الإجارة، فقامت مقام يد الإجارة أيضاً للماهية المستأجرة، فأما العارية فلا توجب استحقاق المنافع لما عرف، فلا توجب استحقاق اليد، فلم يجب إيفاؤها، فلا تقوم يد الغاصب مقام يد العارية، فلهذا لا يصير قابضاً بنفس العارية، فإذا انتفع به الآن ثبتت يد العارية، وهي يد أمانة، فبطل بها يد الغاصب، فإذا فرغ من العاريةلم يعد غصباً بخلاف الرهن.

والفرق: وهو أن بيد العارية إنما بطلت يد الرهن، وبطل الضمان أيضاً لكون الضمان متعلقاً بحقيقة اليد؛ أما عقد الرهن فهو باق لبقاء حكمه، وهو تمليك اليد والحبس، فإذا بطلت يد العارية عادت يد الرهن، فعاد الضمان المتعلق به، فأما ضمان الغصب يتعلق بقاؤه ببقاء اليد المتعدية، وقد بطل ذلك بيد العارية، فلا يعود، وبالفراغ من العمل، فلا يعود الضمان المتعلق به، ولوأمر المالك الغاصب أن يتبع المغصوب صح، ويصير وكيلاً، ولا يخرج العبد عن ضمانه؛ لأن كونه غاصباً ضامناً لا ينفي كونه وكيلاً.

ألا ترى أن الوكيل بالبيع إذا استعمل المبيع حتى صار ضامناً بقي وكيلاً؛ كذا هنا؛ كان المعنى فيه، وهو أن الأمر يقتضي الائتمار، والائتمار لا يقتضي قيام يد الوكيل، فلا يقتضي أيضاً قيام وصفه، وهو كونه يد أمانة، فإن باعه هلك قبل التسليم، انتقض البيع ولزمته قيمة العبد المغصوب؛ لأن الغصب لا يبطل بمجرد البيع.

فإن قيل البيع بالمبيع صار مضموناً بالثمن في يد الوكيل، وهذا ينفي كونه مضموناً بضمان القيمة؛ لأن ضمان القيمة مع ضمان الثمن لا يجتمعان في عين واحد؛ قلنا تفسير كونه مضموناً بالثمن ليس إلا كونه بحال لو هلك قبل القبض يسقط الثمن عن المشتري،

<<  <  ج: ص:  >  >>