عقود المعاوضات، وإنما وقع العقد على مثلهما ديناً في الذمة، فلم يقع العقد على ما لا عين لمالك واحد، فيقع البيع بلا توقف.
ألا ترى أنه لو لم يجز واحد، ولم يتفرقا حتى نقد كل واحد من ماله يجوز، ولا يفسد العقد، وهذا دليل على أن العقد إنما وقع على مثلهما ديناً في الذمة؛ إلا أن كل واحد منهما صار قاضياً ما وجب في ذمته (١٢٥٢) بما غصب فإذا أجازه صار معرضاً، فيلزمه ضمانه بخلاف الفصل الأول؛ لأن هناك العقد وقع على العرضين بأعيانهما؛ لأن العرض يتعين في عقد المعاوضة، فإذا كانا لشخص واحد لم ينعقد العقد على ما مر، والفلوس في هذا نظير الدراهم، والدنانير؛ لأنهما لا تتعين بخلاف العرض.
وقال فيه أيضاً: رجل غصب من آخر جارية، وغصب رجل آخر من المغصوب منه مائة دينار، فباع غاصب الجارية من غاصب الدنانير الجارية بتلك الدنانير، فبلغ المالك فأجازه صح؛ لأن الجارية وإن تعينت في العقد؛ إلا أن الدينار لم يتعين، فلم يقع العقد على مالين لأحد؛ بل وقع على جارية مغصوبة بدنانير في الذمة، فإذا أجازه صحت الإجازة في حق البيع؛ لأن البيع قد توقف، فإذا لحقته الإجازة صح.
وأما نقد الدينار، فلا يصح إما إن كان العقد قبل الإجازة أو بعد الإجازة فإن كان قبل الإجازة عملت الإجازة فيه إذا علم المغصوب منه بأنه نقد من ماله، ويصير هو مقرضاً الدينار من مشتري الجارية، فإن المنقود قائم في يد غاصب الجارية، فهو للمجيز وهو المغصوب منه، وإن هلك في يد غاصب الجارية لا ضمان عليه؛ لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء، فظهر أنه حين قبض الثمن، كان وكيلاً ببيع الجارية؛ أميناً في ثمنها، وهلاك المال في يد الأمين لا يوجب عليه ضماناً.
وإن كان النقد بعد الإجازة، فإن لصاحب المال أخذ ماله؛ إن وجده فيبطل النقد، ويلزم المشتري ثمن آخر؛ لأن الإجازة إذا حصلت قبل النقد، فليس ذلك بإذن في النقد؛ لأن النقد لم يكن موجوداً وقت الإجازة، ولا يدري أنه ينقد الدنانير المغصوبة، أو غير ذلك، فلم تعمل الإجازة في حق النقد، وحصل نقد الدنانير بغير إذن صاحبها، فكان له حق القبض إن وجدها قائمة، وإن وجدها هالكة فله الخيار؛ إن شاء ضمن بائع الجارية لكونه غاصب الغاصب، وإن شاء ضمن مشتري الجارية لكونه غاصباً، فإن ضمن المشتري ظهر أنه ملك الدنانير من وقت الغصب السابق، وأنه نقد ملك نفسه، فصح التسليم إلى بائع الجارية، وصار بائع الجارية أميناً في قبض الزيادة وإن اختار تضمين البائع رجع البائع على المشتري؛ لأن ما قبض البائع لم يسلم هنا لما استحق عليه عوضه، فاستوجب الرجوع به على المشتري؛ كما لو كانت الدنانير قائمة بأعيانها، فأخذت من يده، فإذا رجع بها سلم ذلك للبائع.
وطعن عيسى بن أبان في هذا فقال: ينبغي أن يردها على المغصوب منه؛ لأن القبض الأول كان موقوفاً، فلما ضمن المغصوب منه البائع، وقبض البدل بمنزلة قبض المبدل؛ بطل القبض الأول، وصار الثمن هو الثاني الذي يقبضه البائع من المشتري،