والحاصل: أن في هذه الشركة حقوق العقد ترجع إلى العاقد لا غير، ولا يصير كل واحد منهما كفيلاً عن صاحبه حتى لا يؤخذ كل واحد منهما بما لزم صاحبه؛ هذا كله بيان شرائط الشركة بالمال وحكمها.
جئنا إلى الشركة بالوجوه، فصورتها أن يشترك اثنان ولا مال لهما في نوع خاص، أو في الأنواع كلها على أن يشتريا ويبيعا، وما رزق الله تعالى من شيء فهو بينهما فهذه الشركة جائزة عندنا، وإنما سميت هذه الشركة شركة الوجوه؛ لأنه إنما يشتري بالنسيئة من له وجاهة عند الناس.
وطريق جواز هذه الشركة: أن يجعل كل واحد منهما في التصرف من وجهه وكيلاً عن صاحبه فيقع المشترى مشتركاً بينهما؛ ألا ترى أنه قال: اشتر هذه العين على أن تكون بيننا كان ذلك جائزاً؛ كذا ههنا، وهذه الشركة قد تكون مفاوضة، وقد تكون عناناً، فشرط المفاوضة أن يكونا من أهل الكفالة، وأن يكون الملك في المشترى ههنا نصفين، وثمن المشترى عليها نصفان، وأن يتساويا في الربح، وأن تكون عامة إلا على قول شيخ الإسلام، والتلفظ بلفظ المفاوضة على التأويل الذي ذكره شمس الأئمة السرخسي على ما مر، والعنان بينهما يجوز مع اشتراط التفاضل في ملك المشترى، وينبغي أن يشترط الربح في هذه الشركة على قدر اشتراط ما لهما في المشترى؛ حتى لو تفاضلا في ملك المشترى، واشترطا التساوي في الربح بينهما، أو كان على العكس لا يجوز هذا الشرط، ويكون الربح بينهما على قدر ما شرطا الملك بينهما؛ وهذا لأن اشتراط الربح لأحدهما أكثر مما شرط له من نصيبه من الملك اشتراط الربح من غير ملك ولا ضمان، والربح إنما يستحق بالملك؛ كما في رب المال في باب المضاربة، أو بالضمان كالاستلام إذا تقبل العمل وألقاه على تلميذه بأقل من ذلك الأجر الذي يقبل العمل به؛ يطلب له الفضل، وإنما يطلب له الضمان أما بدون ذلك لا يصح الربح؛ ألا ترى أن من قال لغيره: اعمل في مالك على أن لي بعض الربح لا يجوز.
فإن قيل: يجوز أن يكون فضل بالربح لفضل العمل والربح يستحق بالعمل، ألا ترى أن المضارب يستحق الربح، وإنما يستحقه بالعمل.
قلنا: إنما يستحق الربح بالعمل إذا كان العمل في مال معلوم؛ كذا في المضارب، ولم يوجد ههنا.m
في «المنتقى» : إذا أراد الرجلان أن يشتركا شركة مفاوضة، ولأحدهما دار أو خادم أو عرض، وليس للآخر شيء، واشتركا شركة مفاوضة فيعملان ذلك بوجوههما، ولم يسميا شيئاً من العروض التي لأحدهما في شركتهما كانت (١٣٥ب٢) الشركة جائزة، وهي مفاوضة، والعروض لصاحبها خاصة، وهذه شركة وجوه، وكذلك إذا كان لأحدهما تبر ذهب غير مضروبة، وباقي المسألة بحالها.
جئنا إلى الشركة بالأعمال، وهي نوعان: صحيحة، وفاسدة، فالصحيحة منها أن يشترك اثنان على أن يتقبلا الأعمال من الناس، ويعملان بأبدانهما، فما رزق الله تعالى