ابن سماعة عن محمد في ثلاثة نفر من الكيالين اشتركوا بينهم على أن يقبلوا الطعام ويكيلونه، فما أصابه من شيء كان بينهم فقبلوا طعاماً بأجر معلوم، فمرض رجل منهم وعمل الآخران، قال: الأجر بينهم أثلاثاً. ولو أنه حين مرض أحدهم كره الآخران (أن) يعملا عمله فناقضاه الشركة بمحضر منه، أو قالا: اشهدوا أنا قد ناقضناه الشركة، ثم كالا الطعام كله، فلهما ثلثا الأجر، ولا أجر لهما في الثلث الباقي، وهما متطوعان في كيله، ولا يشركهما الثالث فيما أخذا من الأجر.
وكذلك ثلاثة نفر قبلوا من رجل عملاً بينهم، وليسوا بشركاء ثم عمل أحدهم ذلك العمل، فله ثلث الأجر، وهو متطوع في الثلثين من قبل أنه ليس لصاحب العمل أن يأخذ أحدهم بجميع ذلك العمل؛ لأنهم ليسوا بشركاء، إذا كانوا شركاء فلصاحب العمل أن يأخذ من وجد منهم بجميع العمل.
في «فتاوى أبي الليث» : رجلان اشتركا لحفظ الصبيان وتعليم القرآن، فعلى ما أخبرنا الجواب في «الفتوى» : أن الاستئجار بتعليم القرآن جائز، تجوز هذه الشركة، فأما الشركة الفاسدة منهما، فلها صور، وقد ذكرنا بعضها في صدر الكتاب، وهي الشركة في أخذ المباح كالحطب، والحشيش، والصيد، وما أشبه ذلك، ولكل واحد منهما ما أخذ وثمنه له، وربحه له، وصنعته عليه؛ لأن الشركة إذا لم تصح كان الحال بعد الشركة كالحال قبل الشركة، وقبل الشركة الحكم ما بينا.
وإن أخذ كل واحد منهما على الانفراد شيئاً وخلطاه وباعاه، فإن كان يعلم قدر ما أخذ كل واحد منهما قسم الثمن على قدر الكيل والوزن؛ إن كان ما أخذا مما يكال أو يوزن، وإن كان مما لا يكال، ولا يوزن ضرب كل واحد منهما بقسمته، وإن لم يعرف الكيل والوزن والقسمة، صدق كل واحد منهما فيما يدعي من ذلك إلى النصف؛ لأن المال في أيديهما على السواء ألا ترى أنهما لو أخذاهما كان المأخوذ منهما، وطريقه ما قلنا.
فإن احتطب واحتش أحدهما، وأعانه الآخر؛ كان المجموع كله للذي احتطب، وللآخر أجر مثله عندهم جميعاً؛ لأن المحتطب استوفى منفعة المثنى بحكم عقد فاسد. ولا يجاوز به نصف الثمن عند أبي يوسف؛ لأنه قد رضي بنصف المسمى ألا ترى أن ضمان الإجارات الفاسدة لا تزاد على المسمى، وإنما لا يزاد لما قلنا، وعند محمد يجب أجر المثل بالغاً ما بلغ؛ لأن المسمى ههنا مجهول القدر والجنس، فإنما لا يدريان أي شيء يصيبان، وكم يصيبان، والقسمية في الإجارات الفاسدة إذا كانت مجهولة يجب أجر المثل بالغاً ما بلغ، وإذا كانت معلومة وفسدت الإجارة بسبب من الأسباب؛ لا يزاد على المسمى بلا خلاف.
وكذلك إذا اشتركا على أن يقلعا الطين من أرض مباح، ويبيعانه، وكذلك إذا اشتركا على أن يبيعا من أرض طين لا يملكانه، ويصبحا أجراء فهذه الشركات كلها فاسدة، وإن كان الطين مملوكاً لرجل، فاشتركا على أن يشتريا من ذلك الطين ويبنيا منه،