أحدهما، ثم أجازه الآخر، وأيهما قبض شيئاً كان للآخر أن يشاركه فيه، فلم يؤثر تفرق النفاذ في تفرق الصفقة؛ كذا ههنا، فلو أن الغاصب الذي أدى نصف القيمة أولاً استوفى من المشتري نصف الثمن، ثم إن المالك غصب ضمن الغاصب الآخر نصف القيمة حتى نفذ بيعه، فأراد الثاني أن يشارك الأول فيما قبض؛ لم يكن له ذلك؛ لأن حال ما نفذ بيع الآخر نصيب الأول كان عيناً، ونصيب الآخر كان ديناً في ذمة المشتري، وللنفاذ حكم الابتداء، حتى إن ما يمنع النفاذ لو كان نصيب كل واحد منهما مختاراً وقت العقد لا تثبت الشركة لهما في الثمن؛ كذا ههنا، وإذا لم يكن للثاني أن يشارك الأول فيما قبض؛ كان للثاني أن يبيع المشتري بنصيبه، فإن قبضا جميعاً الثمن على هذا الوجه، ثم إن الأول وهو ما قبض رصاصاً أو ستوقاً؛ كان له الخيار؛ إن شاء اتبع المشتري بنصف الثمن، وإن شاء شارك شريكه فيما قبض، ثم يتبعان المشتري بنصف الثمن؛ لأن الستوقة والرصاص ليسا من جنس الدراهم، فصار كأن القبض لم يوجد، ولو لم يوجد القبض وجبت الشركة بينهما؛ كذلك ههنا.
ولو وجد الأول ما قبض نبهرجة أو زيوفاً، فردها على المشتري ليس له أن يشارك الثاني فيما قبض؛ لأن الرد بسبب الزيافة ينقض القبض من الأصل؛ إنما يشكل على قول أبي حنيفة؛ لأن عنده برد الزيافة ينتقض القبض من الأصل (١٤٤ب٢) إلا إذا كان المردود شيئاً قليلاً أصله مسألة السلم، على ما عرف.
ولما كان عند أبي حنيفة برد الزيادة ينتقض القبض من الأصل؛ صار الزيوف والستوقة سواء، فينبغي أن لا يثبت للأول حق الشركة مع الثاني فيما قبض، فمن مشايخنا قال المذكور في «الكتاب» قولهما لا قول أبي حنيفة رضي الله عنه، ومنهم من قال: لا بل هذا قول الكل.
والفرق لأبي حنيفة على قول هذا القائل بين هذا وبين السلم أن الرد بسبب الزيادة نقض القبض من الأصل؛ لكن بعد صحة القبض، فإن اتصل بالقبض حكماً لا يحتمل النقض، فلا يظهر النقض في حقه كما في عتق المكاتب، ونظائره على ما عرف، وإن لم يتصل بالقبض حكماً؛ لا يحتمل الفسخ، فظهر النقض من الأصل في حقه، ففي مسألة السلم لم يفصل بقبض الزيوف إلا سلامة العقد، وهو السلم، والسلم محتمل للنقض، وظهر النقض في حقه أما ههنا اتصل بالقبض ما لا يحتمل النقض، وهو تفرق الصفقة، فإن الأول حين قبض الزيوف، وقبض الزيوف قبض صحيح حكماً فتفترق الصفقة، والصفقة متى افترقت في البيع لا يحتمل الاتحاد مع بقاء العقد، ولم يظهر النقض من الأصل في حقه كما لم يظهر في حق عتق المكاتب.
ولو كان الثاني هو الذي وجد ما قبضه ستوقاً، أو رصاصاً، أو زيوفاً، فردها على المشتري؛ لم يكن له أن يشارك الأول فيما قبض؛ لأن أكثر ما في الباب إنما يجعل قبض الثاني كأن لم يكن، ولكن لم يوجد القبض من الثاني لم يكن له على الأول سبيل لما مر قبل هذا، فههنا كذلك.