للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسمة فيما تحتمل القسمة من تمام القبض، وأصل القبض عند أبي يوسف فيما يحتمل القسمة ليس بشرط فكذا تمامه لا يكون شرطاً، وعند محمد أصل القبض فيما يحتمل القسمة شرط فكذا ما يتم به القبض، ولو وقف جميع أرضه أو داره ثم استحق نصفه أو ربعه أو ما أشبهه شائعاً، بطل الوقف فيما بقي عند محمد؛ لأن بالاستحقاق تبين أن ما أوقفه الواقف كان مشاعاً، ووقف المشاع فيما يحتمل القسمة عنده باطل، وهذا بخلاف ما لو استحق شيئ منه بعينه، حيث لا يبطل الوقف في الباقي؛ لأن هناك لا يثبت الشيوع في الباقي؛ لأن المستحق مميز ما بقي، فهو بمنزلة ما لو وقف دارين واستحق أحدهما، ومشايخ بلخ أخذوا بقول محمد.

ذكر في «فتاوى أبي الليث» تفريعاً على قول أبي يوسف فقال: إذا كان أرض بين شريكين وقف أحدهما نصيبه مشاعاً ثم اقتسما فوقع نصيب الواقف في موضع لأخر لا يجب عليه أن يقف ثانياً؛ لأن بالقسمة يتعين الموقوف، وإن أراد الإخبار عن الخلاف نصفه ثانياً، وإن كان الأرض كلها له فوقف بعضها ثم أرادا القسمة.

فالوجه في ذلك: أن يتبع ما بقي ثم يقتسمان؛ لأن القسمة إنما تجري بين اثنين، وإن كان لم يتبع ورفع إلى القاضي ليأمر إنساناً معه جاز؛ لأن هنا القسمة جرت بين اثنين، وإذا قضى القاضي بجواز وقف المشاع ينفذ قضاؤه ويصير متفقاً عليه، كما في سائر المختلفات فإن طلب بعضهم القسمة قال أبو حنيفة: لا يقسم، ويتهاونون، وقال أبو يوسف ومحمد: يقسم وأجمعوا أن الكل لو كان موقوفا على الأرباب فارادوا القسمة لا يقسم في «واقعات الناطفي» وفي «فتاوى أبي الليث» أيضاً.

وصورة ما ذكر في «فتاوي أبي الليث» : رجل وقف ضيعة له على بنيه وأرادا أحدهم قسمتها ليدفع نصيبه مزارعة، قال: قسمة الوقف لا تجوز من أحد وليس لأرباب الوقف أن يعقدوا على الوقف عقد مزارعة، وإنما ذلك إلى القيم.

وإذا كانت الأرض لرجلين فتصدقا بها صدقة موقوفة على الفقراء ودفعاها إلى والٍ يقوم بها كان ذلك جائز؛ لأن مثله في الصدقة النافذة يجوز ففي الموقوفة أولى، وإن تصدق كل واحد منهما بنصفها مشاعاً على حدة صدقة موقوفة، وسلم كل واحد منهما نصفها إلى والٍ على حدة، لم يجز، وإن تصدق كل واحد منهما بنصفه على حدة صدقة موقوفة وجعل الوالي على ذلك رجلاً واحداً، وسلما إليه جميعاً جاز ولو تصدق الواحد بجميع الدار على واحد وسلم النصف مشاعاً ثم سلم الباقي جاز.

وإنما جاء الفرق لأن العبرة في صحة الهبة وفسادها (٣أ٣) في الشائع ليمكن الشيوع وعدمه في القبض وقت ثبوت الحكم لا في العقد كما في الصدقة المنفذة وفي المسألة الأخيرة لم يتمكن الشيوع في القبض وقت ثبوت الحكم لأن الحكم إنما يثبت بقبض جميع المعقود عليه، وما يقبض بعض المعقود عليه؛ لأن العقد على الكل كان واحداً، فكان تمكين الشيوع في القبض، ولم يكن الحال حال ثبوت الحكم ليمكن الثبوت حالة العقد ليس ذلك بمانع، وفي المسألة المتقدمة يمكن الشيوع في القبض وقت ثبوت الحكم؛ لأن نصيب كل واحد منهما جميع المعقود عليه لأنه يفرق العقد منهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>