رواية ظاهرة في هذه الصورة، واختلف المشايخ على قوله. بعضهم قالوا: لا يجوز عنده؛ لأن عنده الإخراج عن يده والتسليم إلى متولٍ شرط، وإذا كان الوقف على نفسه كان المتولي قابضاً للواقف فكأنه لم يخرج من يده. وبعضهم قالوا على قول محمد يجوز فقد ذكر محمد في آخر كتاب الوقف إذا وقف على أمهات أولاده يجوز، والوقف على أمهات الأولاد كالوقف على نفسه. وكان الفقيه أبو بكر الإسكاف يجيز أن يشترط لنفسه الأكل، فيقول: على أن آكل منها ولا يجيز الوقف على نفسه، وكان يقول: الوقف على نفسه خرج مخرج الفساد فبطل، وشرط الأكل لنفسه خرج بعد خروج الوقف على وجه الصحة، فوجه قول أبي يوسف: أن قوله أرضيَّ صدقة موقوفة وقف صحيح تام على الفقراء فبفوات معنى الصدقة في الاستثناء لا يبطل أصل الوقف كما لو قال: أرضيَّ هذه صدقة موقوفة على فلان، وجه قول هلال: أن الإنسان لا يكون متصدقاً على نفسه كما لا يكون واهباً من نفسه؛ لأن كل واحد منهما تمليك والتمليك من نفسه لا يتصور، فذهب معنى القربة فينبغي الحبس مطلقاً، ومَاْلُه يكون محبوساً عليه قبل الوقف، فلا معنى للاستغلال بالحبس على نفسه بخلاف الغني؛ لأن التمليك منه متصور، وفيه نوع قربة ولكن دون قربة الفقراء؛ فأما هنا فأصل التمليك لا يتصور.
وكان ينبغي على قول هلال أن يلغي ذكر نفسه ويجعل وقفاً على الفقراء كما لو قال: أرضي صدقة موقوفة على الموتى، فإنه يكون وقفاً صحيحاً على الفقراء، ويلغوا ذكر الموتى، والفرق بينهما على قول هلال أن الميت في نفسه ليس من أهل التمليك، فلغت الإضافة إليه، أما نفسه من أهل التمليك في الجملة ولكن تمليكه من نفسه لا يتصور، فمن حيث إنه أهل التمليك في الجملة اعتبرت الإضافة، ومن حيث إن تمليكه من نفسه لا يتصور لا تعتبر الإضافة، عند الوقف.
فإذا قال: أرضي هذه صدقة موقوفة على أمهات أولادي، أو قال: على عبيدي فالوقف باطل، وهذا إنما يتأتى على قول هلال؛ لأن الوقف على أمهات أولاد والعبيد كما (لو) وقف على نفسه، ولو قال: أرضيَّ هذه صدقة موقوفة عليَّ ومن بعدي على فلان كان باطلاً، وكذلك إذا قال: صدقة موقوفة على فلان ثم من بعده عليَّ كان باطلاً على قول هلال، بخلاف ما إذا قال: أرضي صدقة موقوفة عليَّ وعلى فلان حيث يصح نصفه وهو حصة فلان؛ لأن في الفصل الأول أثبت الغلة كلها لفلان في زمان ولنفسه في زمان، وشرط الكل لنفسه في زمان مبطل الوقف، وفي هذه المسألة ما أثبت الغلة كلها لنفسه في زمان بل أثبت الحصة بين نفسه وبين فلان في الغلة في جميع الأزمان.
ولو أفرد الوقف على نفسه لا يصح ولو أفرد على غيره يصح، فإذا جمع بينهما كان بينهما وكان لكل واحد حكم نفسه. وكذلك إذا قال: صدقة موقوفة على نفسي وولدي ونسلي كان الوقف كله باطل؛ لأن حصة النسل مجهولة وهذا على قول هلال أيضاً.